أفضل ما قرأت حتى الآن، كتب منوعة، على رأسها كتب ابن القيم

طلب مني الكاتب القدير يونس بن عمارة أن أوصي بأفضل الكتب التي قرأتها، ما أجمل هذا الطلب وما أجمل قائله دعوني اصطحبكم في جولة إلى عالمي القرائي.

أنا شخصٌ يميل إلى قراءة التراث القديم، وأطرب بقرائته أيما طرب، وليس ذلك استنقاصاً من الكتب الحديثة، ولكنّ النفس تهوى ما يوافق هواها.

مؤلفات ابن القيم

ومن أبرز المؤلفين وأفضلهم عندي الإمام العلامة ابن القيم الجوزية رحمه الله، عالِمٌ بحر ينقل لنا العلوم الشرعية في قالب سهل، وأسلوب عذب خال من التعقيد، لدرجة أنّي عزمت أن أقرأ جميع مؤلفاته، وكفى بمن يقرأ للعباقرة أنْ يتشبه بهم، أو يكون منهم، فالمرأ يتأثر بمن يقرأ له، فمن قرأ لأعالي القوم كان منهم.

ومن مؤلفاته التي قرأتها:

-جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام.
-عُدة الصابرين وذخيرة الشاكرين.
-الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب.
-كتاب الصلاة.
-زاد المعاد في هدي خير العباد الثلاث مجلدات الأولى.
-روضة المحبين ونزهة المشتاقين.
-الداء والدواء.

تبحّر ابن القيم في فنون كثيرة فألّف في الدين والأخلاق والطب والأدب والحب وغيرها الكثير، قد يظن بعض الناس أن علماء الدين لا يكتبون سوى في أمور الدين، وهذا الظن قد يكون صحيحاً في بعضهم فقط، فكثير من علمائنا جمعوا علوم كثيرة كابن تيمية وابن حزم مثلاً.

المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر

وأما الكتاب الذي علمني أصول الكتابة العربية، وماهيتها في العصور الماضية، وكيف كانت قوة السلاطين وهيبة الملوك تقوم على شقين: السيف والقلم، وكيف على الكاتب أن يفخر بنفسه إذا بلغ ما لم يبلغه غيره، وأن مهارة الكتابة لا تحصّل في ليلة وضحاها، أو سنة ومنتهاها، بل يحتاج المرء في تحصيلها وبلوغ كمالاتها في الوقت والجهد ما لا يقل شأناً عن الهندسة والطب وغيرها، وإنّ الكتابة القويمة تنبع من الطبع السليم، والذوق المستقيم، مع ما حواه الكتاب من البلاغة والنكت العجيبة، والفوائد الفريدة.

النكتة: المسألة العلمية الدقيقة يتوصل إليها بدقة وإنعام فكر.

ما أتكلم عنه هو كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر للعلامة الفخور ابن الأثير، وقد قرأته مرتين ولخصت بعض أجزائه في الثالثة، ولن أتردد في المرة الرابعة والخامسة.

ولا تظن أنني اقتصرت فقط على التراث القديم، بل كان لي نصيب من التراث الحديث، انتقيت منه انتقاءً لأنني لا أقرأ لكل من هب ودب.

لأنك الله

ومما انتقيته كتاب لأنك الله لعلي جابر الفيفي.
لأنك الله لا خوفٌ ولا ألمُ، لأنك الشافي كلُّ الجراح تلتئمُ.
عرّفنا المصنف على معاني أسماء الله الحسنى كما لم نعرفها من قبل، شرحها بأسلوب خارج عن المعتاد، فريد من نوعه.

في صحبة السميط

بعدها خرجت قليلاً عن نمطي المعتاد في القراءة، وقررت السفر مع السميط فعرفت معنى حبَّ الخير والعطاء، علمني أنّ ما أبذله هو خير زادٍ لدار البقاء، وأنّ من يعيش لهدفٍ سام تهون عليه كل الصعاب، وأن الغربة عن الأوطان حياةٌ لأولي الألباب، وأن الخير الذي يتعدى نفعه يبقى أثره، فعدت بعد سفري شخصاً آخر، كيف لا وقد قرأت كتاب: في صحبة السميط.

الطريق إلى القرآن

وفي أثناء ذلك أتت عيني على كتاب الطريق إلى القرآن لإبراهيم السكران، ذكر فيه المؤلف طريقة التدبر بالقرآن، والتداوي بالقرآن، والعيش مع القرآن، فقد أفلح من كان همه القرآن، كما قالت عائشة رضي الله عنها عندما سُئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: “كان خلقه القرآن”. رواه الإمام أحمد.

آثار قراءة الكتب القديمة والحديثة على الكتابة

قد تظن الآن أنني لا أقرأ سوى الكتب الشرعية، لا يا عزيزي فلدي قائمة أخرى من الروايات والقصص، وهنا فائدة سأثريك بها قبل أن ننتقل إلى القائمة التي ذكرتها.

أنني لما عكفت على قراءة الكتب الشرعية وكتب التراث وذلك نابعٌ من تخصصي الشرعي في البكالوريوس، انعكس ذلك إيجاباً على أسلوبي في الكتابة، فعندما تقرأ العربية الأصيلة من العلوم المستقاة من المنبع الأصلي للغة، كالقرآن الكريم الذي هو أفصح كتابٍ عربي قال تعالى: 《ذلك الكتاب لا ريب فيه 》، والسنة النبوية قال النبي صلى الله عليه وسلم: “فُضِّلتُ على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم”. رواه مسلم والترمذي وأحمد، تكون كتابتك أقرب إلى لغة الفصحاء والبلغاء، فكما تعلَم الكتابة هي مخرجات القراءة، فكلما كانت المخرجات عالية كانت الكتابة كذلك، والعكس بالعكس.

لمست هذا الأمر عندما دخلت سوق الكتابة واختلطت بكتّاب آخرين، وجدت فئة منهم تكتب بلغة أقرب إلى اللغة الدارجة، -وهذا لا يعيبه بعض العامة بل يجدونه أقرب إليهم- وأظن أن من أبرز الأسباب هو بعدهم عن الكتب الشرعية واللغوية والتراث والأدب القديمة، ولا أدعي في ذلك أنني بلغت في كتابتي غاية الإحسان، أو السلامة من سبق اللسان، فإنما الفاضل من تحصى غلطاته، وتعدُّ سقطاته.

رواية أنا يوسف

وأعود إلى ما كنت بصدد الكلام عنه، من الرويات والقصص التي قرأتها، نصحني عمي الدكتور حمزة بروايات أيمن العتوم، فقد امتاز الكاتب بسعة ثقافته التي اتضحت لنا في رواياته، وغزارة المعاني والتشبيهات والأوصاف التي يضمنها فيها، وبراعة انتقائه للألفاظ وتركيبها وسبكها.

قرأت له رواية أنا يوسف، حكى لنا فيها قصة يوسف عليه السلام بطريقة أقلُّ ما يقال عنها أنها رائعة.

رواية ستة

ثم قرأت آخر إصداراته من تاريخ نشر هذا المقال رواية ستة، تناول فيها النضال في فلسطين، وكيف يجاهد ويكافح الشعب من أجل حريته.

كتاب الارتقاء بالكتابة

وفي سبيل محاولتي لرفع مستوى كتابتي قرأت كتاب الارتقاء بالكتابة لمحمد بن إبراهيم الحمد، جمع فيه ما تفرّق في هذا الفن، وقرّب ما ابتعد، وسهّل ما صعب.

كتاب القصة القصيرة لرشاد رشدي
والقصة القصيرة للطاهر مكي

ثم وجدت نفسي تميل إلى كتابة القصص، ورأيت قلمي يطرب عند كتابتها، ويسهب ما لا يسهب في غيرها، ولأنني لا أخوض في فن قبل أن أقرأ عنه، وأتعلم كل ما تعلق به، قرأت كتاب القصة القصيرة لرشاد رشدي، والقصة القصيرة للطاهر مكي، وهما كتابان قديمان، جمعا أصول هذا الفن وطريقة الإبداع فيه، وذكروا أمثلةً لنخبةٍ من كتّاب القصة القصيرة، وحضرت بعد قراءتهما بعض الدورات في فن القص، وقرأت بعض المقالات التي تدندن حول هذا الفن، فوجدت أغلب ما ذكروه مشتقٌّ من هذين الكتابين، وهذه من فوائد قراءة الأصول مهما كانت قديمة ولا يخلو كتاب من مآخذ وملاحظات وسقطات، حسبك أن تأخذ ما صفا وتدع ما كدر.

وختاماً؛ اقرؤا فالشخص العادي لا يعيش إلا حياةً واحدة، ولكن القارئ يعيشُ حيواةٍ كثيرة، ويضيف إلى ثقافته الشيء الكثير، ولو لم يكن في القراءة سوى أن تشغلك عن الخوض في سفاسف الأمور، أو السير خلف التفاهة وإمضاء فراغك فيما لا ينفع، لكفى.

هذا ما جاد به القلم، وسلام الله عليك