لا يمثّل هذا المقال أي جهة رسمية
يجسّد العمل التطوعي مبادئ المجتمعات، وأخلاق الناس، فلا يخلو مجتمع من فئة ضعيفة، تحتاج إلى من يعينها في مختلف حاجاتها، ولا تملك المال الكافي لقضائها، وكما لا يخلو مجتمع إسلامي من مشاريع ومبادرات تحتاج إلى عطاء فئة من الناس لنفع فئة أخرى، وهذا ما تحثُّ عليه شريعتنا الغرّاء، وتدعو إليه في الكتاب والسنة، قال تعالى “فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ”، وقال عليه الصلاة والسلام: “خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ”.
التطوّع يكسب المرء أخلاقاً رفيعةً، وغاياتٍ حميدةً، تجد المتطوِّع مرتاح البال، راضياً بالحال، يجد السعادة في عمل الخير، والأنس والفرح بمساعدة الغير، علم ذلك من جرّبه.
كما يُكسب المتطوع خبرةً في المجال المُتطوّع فيه، وينمي المهارات الأساسية (الناعمة) لديه، فيتكئ -بعد الله- عليها في خوض غمار هذه الحياة، وهذه القيم هي التي قام على أساسها التطوّع في الحرم المكي الشريف، وسنعرف بعون الله وتوفيقه في هذا المقال قصة ازدهاره، وما حققه من آثار للمجتمع، ومهارات للمتطوعين أنفسهم. قصدت بهذا المقال؛ إبراز جهود المتطوعين، وأخذ القارئ في جولة داخل أروقة الحرم الشريف بتضمين جملةً من الصور والمقاطع، والله الموفق إلى سواء السبيل.
قصة العمل التطوعي في الحرم المكي الشريف
من المعروف عند كثير من الناس أن أبرز العاملين في ربوع الحرم المكي الشريف نوعان: الأول: موظفو “الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام” والتي تغير مسمّاها مؤخرا إلى “الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي”. النوع الثاني: وهم العساكر بكافة أنواعها.
في عام ١٤٤١ بعد تخفيف الإجراءات الاحترازية لجائحة كورونا، وفتح الحرم المكي الشريف، زاد الطلب على المتطوعين بتوسّع لمساندة الموظفين والعساكر في أداء مهامهم، ولا يعني ذلك عدم وجودهم من قبل، فقد كان ثمّ مبادرات تطوعية بسيطة منذ سنين ماضية في الحرم، لكنّها لم تك عاملاً رئيسياً فيه.
بادر طلاب معهد الحرم المكي الشريف، والمعهد العالي(كلية الحرم المكي الشريف) بأداء الأعمال التطوعية، وكانوا سبّاقين إلى هذا الشرف، فوضعوا اللبنة الأولى، وحجر الأساس، وغرسوا بذرة العمل التطوعي، المستمرِّ ينعها حتى يومنا هذا.
ومن أولى الأعمال الموكلة إليهم، دفع عربات الطائفين حول الكعبة، وعربات الساعين في الصفا والمروة، وتنظيم حركة المشاة وأماكن الصلاة داخل الحرم المكي الشريف.
ثم شيئاً فشيئاً خففت الإجراءات الاحترازية، وزاد الإقبال من ضيوف الرحمن على بيت الله الحرام، وزاد الطلب على المتطوعين تباعاً، فأقبلوا من مختلف الجهات الخيرية والحكومية والأوقاف، نساءً ورجالاً، ملبين النداء للبذل والعطاء، هرعين لمساعدة الحجيج، لا يدّخرون جهداً، ولا وقتاً.
حتى جاء رمضان عام ١٤٤١، فاكتظّ الحرم إلى جانب الزوّار والموظفين والعساكر بالمتطوعين، فوضعوا في ذلك الموسم بصمتهم الواضحة، وأثبتوا قدرتهم الكامنة، وكفاءتهم العالية، وأقدامهم الراسخة، رغم صغر سن كثير منهم، وحداثة بعضهم في الأعمال الميدانية، وما ذلكم إلا من توفيق الله، فله الحمد دائماً وأبداً.
في المقطع يلبس البعض العقال والبعض لا، أنقر هنا لتعرف السبب
أشاد بهم أصحاب الشأن، وأثنى الموظفون على جهودهم، وأشاد العساكر بمثابرتهم، وتوسّعت إدارة العمل التطوعي، وامتدت جهود المتطوعين، بالإضافة للتنظيم ودفع العربات، إلى إطعام وتفطير ضيوف الرحمن، ومساندة جنائز الأموات، وتقديم الإسعافات للمصابين، ومساندة الوفود والمبادرات، وغيرها الكثير في مختلف القطاعات، حتى أن الأخبار تتناقل مدحاً وثناءً على المتطوعين بين الحجيج في بُلدانهم، ما إن يقدم من سمعهم إلى مكة حتى يسأل عن المتطوعين، ولله الفضل والمنة.
آثار المتطوعين في الحرم المكي على المجتمع
حقق المتطوعون آثاراً وبصمات واضحة على المجتمع منها:
- مساهمتهم في تحقيق مستهدف رؤية المملكة ٢٠٣٠ بالوصول لمليون متطوع.
- فاز المتطوع يوسف سليمان الهاشمي -ممثلاً متطوعي الحرم المكي- بالمركز السابع في الجائزة الوطنية للعمل التطوعي، في مسار الساعات التطوعية، وحقق أكثر من ٤٠٠٠ ساعة تطوعية حتى الآن.
- حمل المتطوعون على عاتقهم ترسيخ رسالة أهل المكة بالبذل والعطاء وخدمة ضيوف الرحمن دون مقابل.
- مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، وإعانتهم على أداء نسكهم على أكمل وجه.
- غرس روح البذل والعطاء في الجيل الصاعد.
- مساعدة الكوادر الوظيفية والعسكرية بكافة أنواعها وأقسامها وتخفيف الأعباء المالية والخدمية على “الهيئة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي”.
المهارات التي ينمّيها التطوع في الحرم المكي لدى المتطوعين
- العمل تحت الضغط:
يعلّم التطوع في الحرم المكي المتطوعين كيفية العمل تحت الضغط، حيث تتكالب عليهم الحشود الهائلة من زوار البيت الحرام طالبين خدمتهم، في موسم رمضان والحج والعمرة خصوصاً.
- التعامل مع كافة فئات المجتمع:
من المعلوم أن طبائع الناس وأخلاقهم تختلف، كاختلاف جنسياتهم ودولهم، والمتطوع في الحرم المكي يتعامل مع الجميع، مما نمّى لديه هذه المهارة أكثر من غيره.
- حل المشكلات:
في كثير من الأحيان يضطر المتطوع لإيجاد حلول للمشكلات بنفسه؛ لكثرة الزوّار، وانهماك المشرف في أعمال متفرقة، ممّا ساهم في نمو هذه المهارة بشكل ملحوظ.
- مهارة التنظيم والتخطيط:
في ظلّ انخراط المتطوعين مع الموظفين والعساكر، تعلموا كيفية إدارة الحشود، والتوجيه والإرشاد، وأسس وضع الخطط البديلة للأزمات المفاجئة، والأحداث الطارئة.
تمّ -بفضل الله- هذا المقال، بعد أن قضيت قريباً من أربع سنوات في التطوّع داخل أروقة الحرم المكي الشريف على فترات متفرّقة، محققاً بذلك أكثر من ٨٠٠ ساعة تطوعية، عزمت على كتابة هذه الأسطر، لتبقى ذكرى خالدة للمتطوعين، وتثقيفاً وترويحاً للقارئين، ابتغ بها الأجر من ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
موضوع مشابه:
تجربتي في دورة حفظ السنة النبوية المقامة بالحرم المكي الشريف ١٤٤٥
بارك الله فيكم وكتب أجركم