قد يستغرب بعض الناس طرحي لهذا الموضوع الحسّاس، ورغم عِظم مخاطره إلا أنّ فئةً كبيرةً من المجتمع ما زالوا يتجنبون الحديث عنه ولا يولونه اهتماماً كبيراً؛ لعدم معرفتهم لكيفية طرحه، أو للحياء منه، أولعدم تقبّل فكرة وجود هذا الإدمان أصلاً، وحتى يكون كلامنا على مستندٍ علمي لنرى ما تقوله الدراسات والأرقام في هذا الشأن.
الدراسات والأرقام
نشر أحد المواقع الإباحية -امتنع عن ذكر اسمه- إحصائياته في عام ٢٠١٦، وذكر أنّ عدد النقرات على مقاطعه بلغ ٩٢ مليار نقرة، لو وزعنا هذه المقاطع على سكان الكوكب لكان كلُّ واحد يشاهد ١٢ مقطعاً ونصفاً، وبلغ عدد الزيارات ٢٣ مليار زيارة، وعدد الساعات التي قُضيت داخل الموقع ٤ مليار و٦٠٠ مليون ساعة.
وقد وصل عدد زيارات أحد المواقع الإباحية في عام ٢٠١٩ إلى ٤٢ مليار زيارة.
وفي عام ٢٠٢٢، حسب ما ذكره (Napkin Math) حصل موقع ….. والذي يعدّ أهم وأعرق المواقع في هذا المجال على أكثر من ملياري زيارة في ذلك العام فقط، وأكثر من ١٠٠ مليون مستخدم نشط يومياً.
كما أظهرت دراسة ألمانية أن الذين يشاهدون المواد الإباحية، تتراجع كثافة المادة الرمادية في بعض أجزاء المخ لديهم، وتتراجع وظائفهم الدماغية.
ما المقصود بالإباحية؟
المواد الإباحية: “هي في الأساس نوع من صناعة الصور يهدف إلى إثارة المُشاهد جنسيًّا من خلال تصوير فعل جنسي صريح، مع أن المواد الإباحية ليست جميعها مرئية، هناك المواد الإباحية السمعية التي قد تتخذ حاليًّا شكل النشرة الصوتية، وكذلك المواد الإباحية المكتوبة التي ربما تقدم حاليًّا عبر المدونات أو التحميل من الإنترنت بدلًا من الطباعة”.
وقد تبدأ المشاهدة والإدمان من عمر ١١ إلى ١٣ سنة للرجال والنساء مع ارتفاع نسبة الرجال، وتطال المتزوجين وغير المتزوجين على حد سواء، وعليه سيكون هذا المقال دليلاً لمساعدة المدمن على الإقلاع، وتثقيفاً للقارئ للوقاية منه، ومرشداً لأولياء الأمور للتحذير منه.
الأسباب والمخاطر
تختلف أسباب الوقوع في إدمان الإباحية من شخص إلى آخر، يقول بعض المتخصصين أنّ ذلك يرجع إلى: الاكتئاب، والضغوط النفسية، والطلاق، وشدة الرغبة الجنسية، وما إلى ذلك، لكنّي أرى أسبابًا مختلفةً لا تلغي ما ذكره أهل الاختصاص.
ومن هذه الأسباب: الفضول في الصغر لمعرفة ماهية العلاقة الجنسيّة، فكما أسلفت الذكر أنّ كثيراً من النّاس يتجنّبون الخوض في مثل هذه الأمور الحسّاسة، فبتال لا يتطرّق الوالدان لذكرها بتاتاً، وإن سأل الطفل عنها؛ ربما حرّفوا الإجابة عنه -كالذين يخبرون أبناءهم أن الأطفال ينزلون من السماء- وربما نهروه وزجروه للحديث في أمور الكبار، ومن طبع الأطفال أن كلّ ممنوع مرغوب، ولم تعد الحيل وتحريف الحقائق تجدي نفعاً مع الجيل الحديث، حيث سيلجأ الطفل إلى بدائل أخرى ليعرف هذا الأمر، وأوّل ما يخطر بباله هو البحث عبر الإنترنت، أو وسائل التواصل الاجتماعي ممّا يقوده إلى الإباحية لا محالة، وقد يلجأ إلى أصدقائه الذين غالباً ما عرفوها عبر هذه الوسائل، وحين حصوله على مراده تطغى عليه الغريزة وتطلب المزيد من المتعة والإشباع، وهكذا تبدأ مرحلة الإدمان.
هذا بالنسبة للحدث (صغير السن)، أما للبالغين فمن ضمن جملة الأسباب، عزوف الشباب عن الزواج، وكثرة العزّاب والعوانس، والرغبة للجنس الآخر رغبة فطرية، إذا عُدم طريقها المشروع، بحث الناس عن بدائل أخرى لقضائها، ممّا أدّى إلى الوقوع في الشذوذ الجنسي، أو اللّجوء إلى الإباحية، وحتى لو تزوّج المرء دون إقلاعه عن الإباحية غالباً ما يفضي ذلك إلى عدم الرضى في الفراش، لأن الدماغ تغيّرت إحداثياته الجنسية مع طول فترة الإدمان، فلا يرض المدمن إلا بزيادة جرعة الإباحية، كما هو حال مدمني الكحول والمخدرات بأنواعها، ويقول الدكتور محمد عبد الجواد المتخصص في قسم الإدمان: أن الإباحية قد تصبح أشدّ خطراً من المخدرات.
وممّا ينتج عن إدمان الإباحية، إدمان الاستمناء، فهما متلازمان، وقد يصاب المرء بأحدهما دون الآخر.
في ظلّ عدم تقبّل المجتمع لهذه الفئة، وأعني بذلك: عدم وجود الحملات التوعوية المستمرة، أو المشاريع والمراكز التي تعالج هذه المشكلة إلا ما ندر، فلم أعلم في المملكة والخليج سوى برنامج عفة لتعزيز الفضيلة، وبرنامج واعي في مصر، وسأتكلم عن هذين البرنامجين وكيف سيسهمان في مساعدتك على التخلص من جحيم الإباحية، وهناك بعض المبادرات التوعوية الشخصية كالتي يقوم بها الشيخ: سامي هوساوي،وأحمد القطّان، كتب الله أجرهما، فكما ترى الحاجة ماسّة والسوق شحيح!
آثار مشاهدة الإباحية على ذات المُشاهد ومحيطه
العامل المشترك بين المدمنين هو الشعور بالعار، أو سمِّه الذلّ والهوان، أو العيب والنقصان، ما يحثّهم على الكتمان والاستمرار حتى مع العلم بالعواقب، وأيضاً ممّا يعزز ذلك؛ شعور المصاب بالضياع التام، فلا هو الذي يجرؤ على طلب المساعدة من والديه، أو حتى من مجتمعه، ولا هو الذي يرى مدمنين آخرين مثله، لأن طبيعة ممارسة هذا الإدمان تكون في السّر، لا يعلم بها إلا الله والممارس نفسه، فيدور في حلقة مفرّغة ما بين جلد ولوم واحتقار للذات، وانتكاسات في محاولة الترك، ويستمر على ذلك سنين طِوال، منتظراً أحداً ينتشله من هذه الحفرة المظلمة، راجياً أن ينقذه شخصٌ ما من هذا الجحيم المؤلم.
والفتاة على وجه الخصوص تعاني الأمرّين، كونها مدمنة، وكونها فتاة، فكثير من الناس يرى أن طبيعة الفتاة تحول دون وقوعها في إدمان مثل هذا.
فينتج ممّا سبق للجنسين: عصيان رب السموات والأرَضين، والعكوف على ذنوب الخلوات، وانتشار الأمراض النفسية، والاكتئاب الحاد، وهدم للأسر بكثرة الطلاق، وضعف في التركيز أو انعدامه، وهدر لجزء كبير من عمر الإنسان، والفشل في أمور الحياة الاجتماعية، والوظيفية، وانحطاط أخلاقي وسلوكي؛ للاعتياد على مشاهدة الإهانات والشذوذ والعنف الذي تروّجه هذه المواد، وينظر الرجل للمرأة نظرةً دونية، ويراها مجرّد أداة للاستمتاع الجنسي، وتحتقر المرأة نفسها وتتقبّل التحرّش والاغتصاب، ومع امتداد فترة الإدمان، ينشأ لدى الجنسين الملل والرغبة بالتنويع، وقد يصلون إلى درجة مشاهدة أنواع الشذوذ وتزاوج الحيوانات، بحثاً عن الإثارة، وفي نهاية المطاف يستهلكون هذه المواد دون شعور بالإثارة أو الرغبة إنما فقط مجرّد اعتياد يجري في الإنسان مجرى الدم من غير دافع أو سبب. وغير ذلك الكثير من المخاطر، التي أعجز عن الإحاطة بها وذكرها ههنا؛ لكثرتها وتشعّبها.
وبعد أن أخذنا فكرةً شاملةً عن ماهية هذا الأدمان وما يترتب عليه، ومخاطره على الفرد المجتمع، ماهي الحلول؟ كيف أتخلص من هذا الجحيم؟ هل هناك من هم مثلي؟ هل هناك متخصص يساعدني؟ كيف يوعّي الوالدان أبناءهم جنسياً؟ كيف نوعّي من حولنا توعيةً صحيحة؟
وأي سؤال قد يطرأ عليك في هذا الإطار، ستعرف جوابه في الأسطر القادمة إن شاء الله، أو الطريق إلى تحصيل جوابه.
الحلول
بادئ ذي بدء، لابدّ من أن تعلم أنكَ لستَ وحدكَ، وأنكِ لستِ وحدكِ، فهناك أيضاً من يكافحون ويقاتلون ويناضلون من أجل ترك هذه العادة السيئة، وتتراوح مدد إدمانهم من سنة واثنتين وثلاث إلى خمس عشرة سنة، وكلّما طالت مدة الإدمان طالت مدة التعافي، فلا تتوقع أن تترك شيئاً داومت عليه أمداً طويلاً في يوم أو أسبوع أو شهر أو حتى سنة، وحسبك أن تمشي على خطة ممنهجة دون كللٍ أو مللٍ أو استسلام، وقد جمعت لك عدة مواد قسمتها إلى قسمين، شرعية وسلوكية، وهي كذلك تصلح للمربّين وأولياء الأمور وغير المدمنين، للوقاية وتوعية الأبناء والمجتمع.
المواد الشرعية:
وهي خير ما تبدأ به؛ لأن من أصلح علاقته مع ربّه، أصلح الله قلبه وسائر شؤونه.
المادة القرائية:
اقرأ كتاب الداء والدواء (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) لابن القيم، يعالج فيه قضية شخصٍ عاكفٍ على ذنب يعلم أنّ فيه هلاكه ومع ذلك لا يستطيع تركه، وإن طال عليك اقرأ مختصره فهو أقلّ من ١٠٠ صفحة.
المادة السمعية:
- مشاهدة مقطع قصير للشيخ سامي هوساوي يعالج فيه هذه القضية.
- مشاهدة مقطع للدكتور جاسم المطوّع يجيب فيه عن أبرز الأسئلة الشائعة في هذا الصدد.
- مشاهدة مقطع للشيخ ياسر الحزيمي يجيب فيه على سؤال مدمن للإباحية.
- توعية لمخاطر الإباحية للنساء للدكتور محمد عبد الجواد.
المواد السلوكية:
هذه الجانب يركّز على تغيير سلوكك وعاداتك ومفهومك ومعرفتك، في كلّ ما يتعلّق بالإباحية، وفيه -بإذن الله- جميع ما تحتاج إلى معرفته في أثناء سيرك على طريق التعافي.
المواد القرائية:
اقرأ كتاب: شون راسيل “كيف تقلع عن الإباحية للأبد” وهي قصة مدمن أقلع عن الإباحية بعد معاناة طويلة معها، الكتاب موجود في تطبيق واعي.
اقرأ مقالتي: كيف تغير العادة السقيمة إلى عادة نافعة وهي مستوحاة من كتاب: “هوايات وعادات” لليزا إلدريد، يحكي عن كيفية محاربة الإباحية بتغيير نمط حياتنا، تجده أيضا في تطبيق واعي.
المواد السمعية:
مجموعة من مقاطع الموشن جرافيك عالجت أهم الجوانب المتعلقة بالإباحية، من توعية نفسية ومعرفية بذكر أسبابها ومخاطرها، وكيفية تربية الأبناء في هذا الجانب، وخطط متنوعة للتعافي.
برنامج واعي:
وأخيراً قم بتحميل برنامج واعي، أوّل وأكبر برنامج عربي لعلاج إدمان الإباحية في الوسط العربي، ويعرفون نفسهم بأنهم:
“مجموعة من الشباب المبتكر والشغوف، يحارب ذلك المخدر الجديد ويوفّر للأفراد فرصة كي يتخذوا قرارًا مهمًا بشأن مواجهة الإباحية وذلك برفع الوعي بأضرارها، باستخدام العلم والحقائق”. ثم انضم إلى عشرات الآلاف من المناضلين ضد هذه العادة السيئة على قناة تلجرام بقيادة فريق واعي.
جمعية عفة:
وهناك أيضاً جمعية عفة لتعزيز الفضيلة، وتحتوي على برنامجين للتوعية والتعافي، برنامج من الإدمان إلى الأمان، وبرنامج الخطوات العشر للتعافي من الإباحية.
لعلّ المواد والبرامج كثرت عليك، تصفحها جميعها واعرف محتواها، حتى إذا واجهتك مشكلة في طريقك تلقى حلّها -بإذن الله- في هذه المواد، وبعد تصفّحها اختر لك برنامجاً واحداً وسر عليه ولا تشتت نفسك، وإن لم ينفع معك انتقل إلى آخر، وتواصل مع ما يمكنك أن تتواصل معه من المتخصصين في البرامج السابقة ليقدّم لك النصيحة في حال سقوطك وتعثرك.
وفي الختام علينا أن نحتوي هذه الفئة من المجتمع، ونساعدهم ونرشدهم بكلّ ما نعلم ونستطيع، ومن الحكمة عدم التشنيع والتغليظ عليهم في حال معرفتهم، بل الرفق بهم وتوجيههم إلى التصرف الصحيح، كما قال عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ”. رواه مسلم.
ومن طرق الاحتواء المساهمة في نشر هذا المقال واحتساب الأجر من الله تعالى، لعلّك تنقذ به أنفساً وأرواحاً كثيرة، فكما عرفت أن طبيعة هذا الإدمان سريّة قد يصاب به أخوك أو أختك أو قريبك أو صاحبك -لا سمح الله-، ولا أحد يعلم به إلا ربه ونفسه، اسأل الله لي وللمسلمين الوقاية من هذا الزلل.
هذا ما جاد به القلم، وسلام الله عليك.
بارك الله فيك