في زماننا ندر الكتّاب الموسوعيين الذين يجمعون بين شتى العلوم، ومن ثم يخرجون بمؤلفات يشهد لها القاصي والدان والعربي والأعجمي بالإحسان والإجادة، وعلى قلتهم فهم موجودون، منهم من لم يُكتب له حظ الاشتهار والصيت بين الناس، ومنهم من أنعم الله عليه بالشهرة والقبول، ومن ضمنهم كاتب اطّلع على الأدب واللغة والفلسفة والتاريخ والمنطق وغيرها مما لم أحط به علماً، وقد أكثر من التأليف في الروايات الشعر، ومن شدة عنايته برواياته صرح ذات مرة وقال: أنه قد يقرأ ما يزيد عن 50 كتاباً من أجل تأليف رواية واحدة، أو سلسلة روايات، فهو يعتني بها أكثر مما يعتني الباحث ببحثه، بل حتى أكثر مما تعتني الأم بطفلها.
قرأت له روايتان: إحداهما “أنا يوسف” تحكي قصة يوسف عليه السلام، والأخرى “ستة” تحكي عن النضال في فلسطين، وكلاهما عملان فنيان مكتملان، فإلى جانب جمال مضمونهما فهما يثريان ثروة القارئ اللغوية والإبداعية، ويطلقان العنان لخياله، مع تحقيق الفائدة لثقافته، ودائماً ما أتساءل عن كيف يكتب أمثال هؤلاء القوم؟
إذ بي أرى حلقة من حلقات الكاتب أيمن العتوم يخبر فيها عن منهجه في الكتابة، وأمثال هذه التجارب لا ينبغي أن تمر مرور الكرام دون تقييد لما فيها من فوائد وفرائد.
العلم صيد والكتابة قيده قيّد صيودك بالحبال الواثقة
وارتأيت أن أنقل ما قيدته لقرّاء مدونتي حتى تعم الفائدة للجميع. ذكر الكاتب أيمن العتوم أنه يتبع في كتابته عدة خطوات:
الخطوات التي يتبعها الكاتب أيمن العتوم
الخطوة الأولى:
“اختيار الفكرة بعناية: العاطفة وحدها لا تكفي لتناول موضوع ما، بل يجب أن تكون الفكرة تستحقّ أن تروى، وذلك بأن تكون عامّة يشترك فيها غالبية الناس من مختلف المجتمعات والثقافات مثل: الحرية والعبودية، فالكل مجمعون على حبّ الحرية وكره العبودية”.
دائماً ما تكون المواضيع التي تمس شريحة كبيرة من الناس وتُنقل لهم بطريقة مبسّطة يفهمونها، يُكتب لها القبول، ومن ذلك حلقة بودكاست فنجان مع ياسر الحزيمي، فهي وإن لم تكن رواية إلا أنها مثال جيد على حسن اختيار العنوان وطريقة السرد، فالعلاقات تمسُّ جميع المجتمعات ونقلها الحزيمي بأسلوب شيّق ضمنه الكثير من القصص والأمثلة، وهذه من الأسباب التي كتبت له القبول عند الناس.
الخطوة الثانية:
“جمع المعلومات الكافية حول الفكرة المراد طرحها. قد تضطرّ لقراءة مئات الكتب لكتابة رواية، فتلامس بذلك عاطفة فئة كبيرة من الناس، ولو تُرجمت روايتك للغة أخرى يكتب لها القبول عندهم أيضاً”.
هذه ميزة قد لا تجدها في كثير من الروائيين المعاصرين، إذ تركز رواياتهم على عنصري المتعة والتشويق دون قيمة ثقافية ملموسة.
الخطوة الثالثة:
“عدم التسليم للخطأ. بعد الانتهاء من الكتابة، إذا اكتشفت خطأً في سردٍ أو معلومةٍ إياك أن تمضي عليها أبداً، لابد من تصحيحها: لأنها قد تكون السقطة القاتلة التي ينسف به النّقاد جميع ما كتبته”.
الخطوة الرابعة:
“الاستراحة من الكتابة. لا بأس بالاستراحة في حال لم يسنح لك الخاطر بالكتابة، على أن تكون المدة قصيرة وليست طويلة، فإن طالت سيحدث في نصّك عدة أمور:
- اختلاف العاطفة بين أوّل القصة وآخرها.
- اختلاف الثقافة والقوة الذهنية بين السابق والحاضر، فأنت الآن مختلف عن نفسك قبل عام أو أكثر.
الخطوة الخامسة:
“ابتعد عن النص ثم عدّ إليه كقارئ لا كاتب. بعد الفراغ من كل شيء متعلق بالنص اترك نصّك مدة من الزمن ثم عد واقرأه كأنّك قارئ لا كاتب، واعرضه على مدقّقٍ لغوي، وثلاثة على الأقل ممن تثق بذوقهم ودرايتهم بعلم الكتابة، ثم أقدم إقدام الأسد على نشره دون خوف”.
الكاتب عندما يكتب النص يراه مثالياً بنظرته هو، أما القارئ فإنه يقرأه ويستوعبه حسب ثقافته وسعة فهمه، ودائماً ما أٌفاجأ من فهم الناس للنصوص التي أكتبها إيجاباً أو سلباً، لذا من المهم أن نقرأ ما نكتبه قراءة ناقدة وكأننا لم نكتبه.
المصدر: حلقة شذر مذر على يوتيوب
هذا ما جاد به القلم، وسلام الله عليك.