ستظل ثقافتك ناقصة ما لم تقرأ في كتب التاريخ
“إن فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال، وتشد إليه الركائب والرحال، وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال، وتتنافس فيه الملوك والأفيال، ويتساوى في فهمه العلماء والجهال.
“تسديد الإصابة فيما شجر بين الصحابة” لذياب الغامدي
لهذا نجد النفوس تشرئب إلى معرفة بدايات الأشياء، وتحب سماع أخبار الأنبياء، وتحن إلى مطالعة سير الملوك والحكماء، وترتاح إلى ذكر ما جرى للقدماء”.
من هذا المبدأ ستكون هذه المقالة بداية لسلسلة ستمتدّ بعون الله وتوفيقه إلى تسع عشرة مقالة، تزامناً مع عدد مجلدات كتاب البداية والنهاية، ما إن أنته من مجلد حتى أذكر في مقالة مجمل ما فيه، وبعض الفوائد والفرائد من بين صفحاته.
وفي العدد الأول سأعرّج على ذكر منشأ اهتمامي بالتاريخ، وحاجتنا الماسة إليه، يليه تعريف بكتاب البداية والنهاية، ونظرة في المجلد الأول، والله ولي التوفيق.
منشأ اهتمامي بالتاريخ
عندما يتأمّل المرء في الطبيعة، ويشاهد مجريات عصره، تطرأ على ذهنه تساؤلات عن أحوال الأمم الغابرة، عن حياتهم، وطريقة عيشهم، وعن نوعية المشكلات التي تواجههم في زمانهم، وكيفية تعاملهم معها، وغيرها من الأسئلة الكثيرة.
عندما أتصفح المقاطع في وسائل التواصل الاجتماعي كالإنستقرام والفيس بوك، أنقر بكثرة على المقاطع التي تنشر قصائد من الزمن القديم، ومقتطفات من التاريخ، شعور داخلي يجذبني إليها، والغريب أن الخوارزمية في هذه البرامج رأت فيَّ ما لم أراه في نفسي، لذلك أقول لك إن لم تعلم عن ماهية اهتماماتك وهوايتك وشغفك، فاسأل من حولك من أصدقائك وعائلتك، فالناس قد يرون فيك ما لا تراه في نفسك، كما قال عليه الصلاة والسلام: “المؤمن مرآة أخيه المؤمن”. أو انظر وسائل التواصل ماذا تقترح لك فتكتشف اهتماماتك كما حدث معي.
وفي ظلّ اهتمامي بهذا المجال، سمعت عن قصص ألف ليلة وليلة، وأنها تصوّر أحداث الأمم السابقة بصورة خيالية، لم أجد وقتاً لبلع ريقي عندما بدأت قراءتها، ومن النادر أن أجد كتاباً يفعل بي كذلك.
حينها تيقنت أني من هواة مطالعة التاريخ، وأنني سأظلّ عطشاً لا يروي ظمأ فضولي المعرفي إلا القراءة فيها.
تقصّيت وبحثت عن أفضل الكتب، وجمعت عدداً كبيراً منها، بعضها طويلة، وبعضها مختصرة:
كتب في التاريخ مطوّلة:
- تاريخ الطبري.
- سلسلة قصة الحضارة لول وابريل ديورانت.
- إحياء علوم الدين للغزالي.
- السيرة لابن إسحاق.
كتب في التاريخ مختصرة:
- تاريخ الخلفاء الراشدين للسيوطي.
- عظماؤنا في التاريخ لمصطفى السباعي.
- روائع حضارتنا له.
- رجال حول الرسول لخالد محمد خالد.
- صور من حياة الصحابة للباشا.
- زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم.
وللأسف بقيت هذه الكتب مركونة في صفحة مذكرتي 💔
ثم للمرة الأولى يحالفني الحظ في أمر أبتغيه، أتاني على طبق من ذهب كتاب البداية والنهاية لابن كثير من”وقف وفود الحرم”، في تسعة عشر مجلداً، فشكر الله لهم، وكتب أجرهم، وأدام نفع وقفهم.
الحاجة إلى معرفة التاريخ
لمعرفة أهمية التاريخ ارجع إلى كتب المتخصصين من المتقدمين والمتأخرين ففي ذلك كفاية ومقنع، وضربت لك أمثلة لبعضها، وحسبي أن أذكر هنا رأيي المتواضع.
الحاجة إلى معرفة التاريخ حاجة غريزية، كما أسلفت الذكر في المبحث السابق، فالإنسان يتوق إلى معرفة بداية كل شيء، وأعتقد أن من هذا المبدأ قيل: “الحاجة أم الاختراع”، وهو مثل غربي اختلف الناس فيه على أقوال كثيرة، ولولا خوف الإطالة لذكرتها.
يقول عمر بن الخطاب: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام”، من نعم الله علينا أن وُلدنا مسلمين، عرفنا الإسلام كاملاً مكمّلاً، لم يعرف أكثرنا المراحل التي مرّ بها، والمشاق والأهوال التي كابدها رجال الإسلام عبر التاريخ من أجل أن يصل إلينا هذا الدين صافياً من كل الشوائب.
والعالم الإسلامي مقارنة بالعصور الماضية يمرّ بمرحلة ضعف، والعالم الغربي في موطن قوة، فاجتمع بذلك عدم معرفتنا بتاريخنا، وضعف العالم الإسلامي، أدّى ذلك إلى النظر للغرب نظرة علو، والاعتقاد بأنهم هم المتقدمون ونحن المتخلفون، وهم السابقون ونحن اللاحقون، وهذا باطل بالكلية، فنحن السابقون في العلوم والاختراع، وقد سُدنا العالم أجمع في عصر من العصور، ولن نرجع إلى سابق عهدنا وعزنا ومجدنا ما لم نعرف تاريخنا.
وفي قراءة التاريخ مواساة وعزاء، وأنس وسعادة، فالموساة: للمهموم والمكروب والمصاب، فإنّه يجد سلوة وعزاء عند معرفة من مر بمثل حاله أو أشد منه، فتهون عليه مصيبته، وتسكن نفسه، ويستقرّ فؤاده، ومن أمثلة الكتب التي اعتنت بذلك على وجه الخصوص: “الفرج بعد الشدة للتنوخي”.
والسعادة: في مشاهدة أمجاد المسلمين، وبطولاتهم، وإنجازاتهم، الجماعية والفردية، وكيف أثّرت في العالم، و غيرت المعالم، وكيف وضع العظماء بصماتهم الباقية أثرها حتى وقتنا الحاضر.
كتاب البداية والنهاية
المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي المتوفى سنة(٧٧٤ه). ذكر في كتابه تاريخ العالم منذ بدء الخليقة إلى منتصف القرن الثامن عشر سنة (٧٦٨).
فقال في مقدمته:
“أما بعد فهذا الكتاب أذكر فيه بعون الله وحسن توفيقه ما يسّره الله تعالى بحوله وقوته من ذكر مبدأ المخلوقات: من خلق العرش والكرسي والسماوات، والأرضين وما فيهن وما بينهن من الملائكة والجان والشياطين، وكيفية خلق آدم عليه السلام، وقصص النبيين، وما جرى مجرى ذلك إلى أيام بني إسرائيل وأيام الجاهلية حتى تنتهي النبوة إلى أيام نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه. فنذكر سيرته كما ينبغي فتشفي الصدور والغليل، وتزيح الداء عن العليل.
ثم نذكر ما بعد ذلك إلى زماننا، ونذكر الفتن والملاحم وأشراط الساعة. ثم البعث والنشور وأهوال القيامة، ثم صفة ذلك وما في ذلك اليوم، وما يقع فيه من الأمور الهائلة. ثم صفة النار، ثم صفة الجنان وما فيها من الخيرات الحسان، وغير ذلك وما يتعلق به، وما ورد في ذلك من الكتاب والسنة والآثار والأخبار المنقولة المعقولة عند العلماء وورثة الأنبياء، الآخذين من مشكاة النبوة المصطفوية المحمدية على من جاء بها أفضل الصلاة والسلام”.
البداية والنهاية
خلاصة المجلد الأول
تناول المصنف في هذا المجلد مبدأ خلق السماوات والأرض وما فيهن من الملائكة والجان وقصة الشيطان، ثم بدأ بذكر خلق آدم وأبنائه وقصة قابيل وهابيل، ومن جاء بعدهم من الأنبياء والرسل نوح وهود وصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ولوط وأيوب وذا الكفل عليهم السلام. وذكر قصة بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام للكعبة المشرفة، وبناء يعقوب عليه السلام لبيت المقدس.
وطريقة سرده؛ يذكر جميع الآيات الواردة في القصة ثم يفسرها آية آية، ويقرنها بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ومن بعدهم من السلف والخلف، وبعض أخبار الإسرائيليات وأهل الكتاب مما لا يعارض الكتاب والسنة.
ويمتاز العلامة ابن كثير بلغته العالية السهلة البليغة، وتفننه بإيراد الأساليب البلاغية البديعة في طيّات كلامه.
ومن الملاحظات التي تجدر الإشارة إليها؛ أن العلامة ابن كثير يذكر الأحاديث بسندها، مما جعل الكتاب يطول، بلغ عدد صفحات المجلد الأول ٥١٩ لو حذفنا الأسانيد منها لربما أصبح أقل من ٤٠٠ صفحة، ومما تعلمناه من مشائخنا أن الأسانيد ليس فيها كثير فائدة لغير المتخصص في علوم الحديث، لذلك تجاوزها إلى الحديث وراويه مباشرة، واختصر على نفسك شوطاً طويلا.
والخلاصة لمن أراد اقتناء هذا الكتاب: أمامك رحلة ماتعة، حافلة بالعلم الغزير، والفوائد الجمة، خالية من الملل، فالمتعة والتشويق في ازدياد كلما قرأت معلومات جديدة، وبطولات حافلة، وكلما شاهدت مناضلات الأنبياء، وعظم صبر الأتقياء، وإذا هممت بشرائه فتوجد نسخ مختصرة ومنقحة، حذفت منها الزيادات، والأسانيد الطويلة، والأحاديث الضعيفة، بعضها مطبوع في عشر مجلدات، وبعضها أقل من ذلك.
هذا ما جاد به القلم، وسلام الله عليك.
شاهد أيضاً:
