المقدمة
لكرة القدم متعة لا متناهية لممارسيها ومشاهديها. لطالما كانت حصة البدنية في المراحل الدراسية أجمل الحصص على الإطلاق، ننتظرها في كل أسبوع بشوق ولهف، حيث نفرُّ إليها من القيود الدراسية، ونطلق العنان لطاقتنا المكبوتة داخل المستطيل الأخضر، أو في ملاعب الحي حيث نلتقي بالجيران والأصحاب وتكون سلطة الملعب بيد صاحب الكرة.
والمشاهدة لا تقلّ متعة وإثارة عن اللعب، فها هي ذي البطولات المحلية والعالمية تقام سنوياً، وترى عشّاقها يسلكون فجاج الأندية، ويقفون بالمرصاد في وجه من يستنقص منها أو يتعرض لها بسوء، ويهاجمون بعضهم البعض كلٌّ يُظهر الفضل والسبق لفريقه، وقد يصل الأمر إلى قطع العلاقات، وتفاقم الصراعات في المجالس والمقاهي ومعاطن المشاهدة، كل ذلك في سبيل الذب عن الفريق المفضل، والنيل من جميع خصومه.
قد كنت جزءاً من هذا العالم فترة طويلة من الزمن، فلما اشتد عودي، بصرت بما لم أبصر به من قبل، من ضياع للأوقات، وتعطيل للمنافع، وهدر للطاقة، فطلّقت هذه الرياضة بالكلية، غير نادم على قراري البتة، بل صرت أعجب غاية العجب عند رؤية جحافل الناس يلهثون وراءها، ويتصارعون في كلّ مكان من أجلها، ولم أرَ لها أي منفعة سوى المتعة والإثارة (زيادة الدوبامين) ويا لها من منفعة! ولا يعني ذلك نبذها بالكلية، بل رفض إفناء الأوقات والأموال الهائلة من أجل مشاهدتها دون عائد يذكر.
وبعد انقطاع دام أربع سنوات ومن باب التنويع والتغيير والخروج عن النمط اليومي المتكرر، وإمتاع النفس بشيء من متاع الدنيا، تهادى إلى مسامعي ذاك الضجيج المزعج الذي يُحدثه المشجعون عند قرب مباراة مهمة، وكان إذ ذاك “ديربي الرياض” بين الهلال والنصر السعوديين، والجميع يعلم ما لهما ولبقية الأندية السعودية من صيت واسع في الآونة الأخيرة إثر انتقال بعض النجوم العالميين إليهم.
وفي جلسات المقهى وسط علوِّ صيحات مشجعي الفريقين، واستفزاز كلٍّ منهما للآخر عند كل هدف، أخذت أتأمّل في المباراة وما فيها من عبرٍ ودروس لو طبقناها في حياتنا لوجدنا لها أثراً عظيماً.
لكل شيء خطة
رغم استقطاب إدارة الفريقين لأفضل اللاعبين، إلا أنّ المدرّب لا يجرؤ على النزول لأرض الميدان دون وضع خطة تكتيكية. ونأخذ من ذلك أنه مهما كان لدينا من أدوات ومهارات وقدرات فلا فائدة منها إن لم ترسم خطة يجاب فيها على عدة أسئلة تبدأ ب(متى، وأين، وكيف، ولماذا).
العمل الجماعي
تتجلى في كرة القدم أهمية العمل الجماعي المنظم، فالأفراد مهما بلغت مهاراتهم وقدراتهم فهم محتاجون لغيرهم ليساهموا معهم ويخرجوا أفضل ما بجعبتهم.
كذا الأمر في شؤون حياتنا المختلفة فنحن مكمّلون لبعضنا البعض، مهما بلغ استقلال أحدنا بنفسه فلا مناص له من الاستعانة ببني جنسه ليكتمل استقلاله، هكذا خلقنا ربنا. ومما أثر عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه سمع رجلاً يقول: “اللهم لا تحوجني لأحد من خلقك. فقال: هذا رجل دعا على نفسه بالهلاك”. فالأصل أن الإنسان محتاج ومحتاج إليه!
الخروج من الضغط
من ضمن الخطط التي يرسمها المدرب استراتيجية للخروج من ضغط الخصم، والجهابذة منهم لا يكتفون بالخروج فقط، بل يجعلون هذا الضغط فرصة لصالحهم وهو ما يطلق عليه بالهجمة المرتدة.
وهذا يوحي لنا بأن الضغط آت في مرحلة ما لا مفر منه، ودورنا أن نغتنم أوقاتنا قبل حلوله، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه : “اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك”. روه ابن أبي الدنيا والحاكم والبيهقي. حتى وإن تعرضنا لفترة ضغط لا نجزع أو نضطرب، بل نحاول إيجاد طريقة نحوّله فيها لصالحنا.
الفروقات الفردية
نجد المدرّب يعطي بعض اللاعبين فرصة للمشاركة أكثر من غيره ممن هو في مركزه، ويخصص بعضهم للركلات الحرة وبعضهم لركلات الجزاء، وما ذلك إلا لأنهم يملكون قدرات أعلى من غيرهم في ذلك الجانب مما يسترعي وجوب تمييزهم لاغتنام قدراتهم.
وهذه الفروقات موجودة في مجتمعنا خارج إطار كرة القدم، فلو لم يميّزوا عن غيرهم، ولم تعط لهم الفرص الكافية لدفنت قدراتهم وماتت، وهنا يأتي الدور الكبير على المدارس لإبراز هذه المواهب، ونشيد بمسابقة المهارات الثقافية التي ابتكرتها وزارة الثقافة بالتعاون مع وزارة التعليم. ونحتاج المزيد من هذه المبادرات.
لكلّ فرد دوره
لو لاحظت أن المستطيل الأخضر مقسّم لعدة أجزاء: جزء منه مخصص للحارس وآخر للدفاع وآخر للوسط والأخير للهجوم. جميعهم ما عدا الحارس ينقسمون إلى ثلاث شقوق: شق أيمن وأوسط وأيسر. وكلها يشغلها اللاعبون الأحد عشر، لو تقاعس أحدهم لأحدث نقطة ضعف قد يستغلها الخصم في إلحاق الهزيمة بفريقه، بينما لو اجتهد أوجد نقطة قوة قد تؤدي إلى مفاجأة الخصم والانتصار الساحق عليه. وأما الحارس فدوره أكبر وأهم من بقية تلك الأدوار؛ إذ تعدل قيمته نصف الفريق، لأن هفوة منه قد تؤدي بالفريق إلى هزيمة محتمة.
وما أشبه هذا بواقعنا، فالأدوار تتفاوت بين الناس بحسب المنصب أو الرتبة أو ما يمتلكه الشخص ويُحسنه، فعلى سبيل المثال: في نطاق الأسرة الجميع لهم أدوارهم إلا أن دور الأم والأب أهم وآكد، وجميع أفراد المجتمع لهم أدوارهم إلا أن دور العلماء وذوي الشأن أهم وأعظم أثراً، ويتمثّل دور كل فرد بعينه بحسب مكانته وقدراته، وما أجمل أن يؤدي كلٌّ منّا دوره، ويجتهد بالقيام به ويزيد عليه حتى يكون هو نقطة القوة التي تحدث الفارق، ومن رضي بأن يكون مع الخوالف سيدخل قسراً تحت قوى خارجية تسيّره وتتحكم فيه. وليتضح المقصود تأمّل معي: قرر أحمد وخالد وسالم الخروج في رحلة، اختار أحمد يوم الأحد، واختار خالد يوم الخميس، وأما سالم فأرجأ الأمر لصديقيه ولم يملك رأيه الخاص، فتشاور أحمد وخالد واتخذا القرار وتبعهما سالم فيه. فهنا دخل الأخير ضمناً فيما قرره صديقاه.أمعن النظر في المثال وقس عليه في العادات والتقاليد والقرارات والاهتمامات وما إلى ذلك.
ما الذي يحفّز الجماهير ويحرّكهم؟
هناك عدة عوامل تحرّك البشر وتحفزهم عندما يكونوا مجتمعين، وفي ذلك أُلفت كتب كثيرة منها: سيكلوجية الجماعات والعمل الجماعي لمارل دول وتيموثي ب كيلي، لمن أراد التوسّع، وحسبي أن أشير إلى ما رأيته واستنتجته. لجماهير كرة القدم عدة محفزات تحثّهم على دفع الأموال الكثيرة، وقطع المسافات الطويلة فقط من أجل دعم أحد الفريقين، وهذا المحرّك له عدة مراحل:
المرحلة الأولى: ما قبل المباراة
وهذا يكون عبر التعاقد مع لاعبين بارزين، ثم إبرازهم بمشهد درامي، ويدلي أحدهم بتصريح مثير يتحدى به الخصوم، ويأتي لاعب بارز لفريق آخر ويرد على الأوّل، فيشتعل فتيل الحماسة لدى الجماهير، وبعض هذه التصريحات لها طابع قوي يعلق بأذهان الجمهور فيصدحون مفاخرين به وباللاعب في كلّ مكان، بالإضافة إلى الحملات التسويقية المنظمة التي تدار من النادي. والأمر الآخر هو قوة البطولة التي تجري المنافسة فيها، وتنبع قوتها من طبيعة الفرق المشاركة فيها، وقوّتها التسويقية.
المرحلة الثانية: إضفاء قيمة كبيرة للأندية من قبل عوامل داخلية وخارجية.
الداخلية: ما يبثه اللاعبون الذين يملكون قاعدة جماهيرية عالية على وسائل التواصل الاجتماعي، وطلبهم الدعم من جماهيرهم.
والخارجية: ما يروّج له المشاهير والمؤثرون على تلك المنصات، برفع الهشتاقات، وإشعار الجماهير بضرورة تقديم الدعم والمساندة للفريق وأن هذا في غاية الأهمية وعلى رأس الأولويات. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فحينما يبدأ الجماهير بحجز التذاكر يكمل هؤلاء المؤثرون دورهم بنشر عدد التذاكر التي حُجزت بعبارات رنّانة مثل: بيعت ٥٠ ألف تذكرة في ساعة فقط! ولا يهم إن كان الخبر صحيحاً أم خاطئاً، فإن كان صحيحاً فقد تحقق المراد، وإن كان خاطئاً فلن يلبث طويلاً حتى يصبح صحيحاً!
المرحلة الثالثة: داخل الملعب
بعد استكمال المرحلة الأولى والثانية، يحضر الجماهير من شتى البقاع لمشاهدة المباراة، ولكن هل سيمضون ٩٠ دقيقة يشاهدون مجموعة من البشر تركض خلف الكرة؟ هذا وإن أضفنا نصف ساعة قبل المباراة لضرورة الحضور المبكر، ونصف ساعة بعدها للاحتفال في حال الفوز، ما يقارب الساعتين في المجموع، مع عدم احتساب الوقت المقضي في ازدحام السيارات والبشر قبل المباراة وبعدها! الجواب: بالطبع لن يمكثوا هكذا فقط فالملل سرعان ما يعتري البشر في هذا العصر، يأتي هنا دور رابطة الجماهير المختصة بكل فريق، ففي بعض الأحيان يجهزون “تيفو” وتعريفه.
وتعريف موسى له بأنه: عبارة عن رسالة ينسجها الجماهير بمقاعدهم لإيصال فكرة أو عبارة ما، عن طريق رفع كلّ منهم لشعارٍ خصص بمقعده بطريقة منهجية مرسومة، في وقت محدد من المبارة.الأمر الذي يرفع من مستوى الدوبامين لدى الجماهير فلا يبقي أي أثر للملل، ثم يأتي دور الأهازيج التي تُنشد على نغمات حماسية، ومعروف منذ القدم أن الموسيقى وأنواع الغناء مما يثير الوجدان ويحركها إما سلباً أو إيجاباً، وقديماً اشتهر الحداء للإبل لتسرع في المشي، ومن ذلك أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ في سَفَرٍ، وكانَ غُلَامٌ يَحْدُو بهِنَّ يُقَالُ له: أنْجَشَةُ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: رُوَيْدَكَ يا أنْجَشَةُ سَوْقَكَ بالقَوَارِيرِ. قالَ أبو قِلَابَةَ: يَعْنِي النِّسَاءَ. رواه البخاري
وترديدهم لهذه الصيحات في أصوات جماعية متناغمة من الأمور التي تشعل لهيب المشجع. أيضاً من الطرق التي تبثّ الحماسة: أن يعمد أحد اللاعبين أو المؤثرين أو من يقود رابطة الجماهير يطلق عليه (مسيّر الجمهور) بحركات معينة باليد والجسم أو الرقص بوتيرة معينة، فيقلّد الجماهير ذلك حذو القذة بالقذة، فتتولّد حركات منسجمة بين آلاف الجماهير. شاهد المقطع التالي:
ما الذي يحرّك الجماهير خلف الشاشات؟
العامل الأبرز في ذلك هو المعلّق الصوتي، الذي يبرع بتنويع نبرات صوته، فتلمس فيه الحماسة في موطنها، والخيبة عند ضياع الفرص، والعلوّ عند الهجمات الخطيرة، والخفض عند برود اللعب، مع امتيازه بالغزارة اللغوية وقوّة المفردات، حتى وإن كان بعضها حشو ليس له معنى إلا أن مَعرِضَ استخدامه يضفي له رونقاً جميلاً يلتذُّ له السامع ويقشعرُّ له جسده، ومنه قول المعلق حفيظ دراجي: “بااا بااا بااا” بصوت جهوري ومد، وقول المعلق رؤوف خليف: “يوزّع” بتشديد الزاي وقلقلة العين، وقول المعلق فارس عوض: “ياربّاااه” بتشديد الباء ومد الألف، ومن قوة تأثير هذه الكلمات أنّ عشّاق هذه الرياضة يتداولونها في كلّ مكان وزمان.
فصّلت الكلام في هذا المبحث لما له من أهمية في تفسير جنون البشر المتيمين بهذه الرياضة -عافانا الله وإياكم-، ويمكن أن نستخلص من ذلك بأن نأخذ الحيطة والحذر من شدة تأثير اللاعبين والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم الانجراف خلف السلوكيات الجماعية الغير منطقية.
أهمية وجود الحَكم
من أكثر المشاكل شيوعاً في هذه الرياضة هو التحكيم. وعلى مدار ذلك تُقام البرامج المتنوعة في نقد التحكيم ونقضه، ويستقطب في المباريات المهمة أفضل الحكّام في العالم مهما بلغ سعرهم ليرض اللاعبون والجمهور عن الحكم، وليتهم رضوا! ففي داخل الملعب يعترض اللاعبون على الحكم في كل صغيرة وكبيرة، ويمارسون شتى أنواع الخِداع ليُلبِسوا عليه في سبيل الظفر بالمنافسة. ولهذا سُنَّ نظام العقوبات المخففة والمغلظة داخل الملعب من قِبَل الحكم، وخارجه من قِبَل راعي البطولة، وعلى الرغم من ذلك لا يرتدعون.
وهنا تزيد المسؤولية على الحكم، ويتأكد في شأنه ضرورة التحلي بمهارات ضبط النفس والحفاظ على رباطة الجأش، والسيطرة على الغضب، ليأمن من الوقوع في مكر اللاعبين، ويسلم من الانجراف في مكائدهم، ويحقق العدالة والإنصاف لكلا الجانبين ما أمكنه. وهذا ينطبق على القاضي الذي يقوم بوظيفة الحُكم والفصل بين الناس، وطبع النفس يطغى على حكمها، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم القاضي أن يحكم وهو غضبان. ومن الناس من لا يرتدع مهما عدَل الحاكم، وشُددت القوانين، وغلظت العقوبات، كما قال الأوّل:
إذا كان الطباع طباع سوء
فلا أدب يفيد ولا أديب
ولا حيلة مع هؤلاء القوم إلا تجنبهم قدر المستطاع، ومعاملتهم بالمثل في بعض الحالات ليرتدعوا. وبالمثال يتضح المقال: هب أن شخصاً طبعه الغضب والصراخ، وابتلاك الله به في موقفٍ ما، فظلّ يعلو بصوته الجهوري الضخم، وأنت تُهدئ من غضبه وتعامله بأدب جم وصوت منخفض، ورغم ذلك يزداد طغياناً وتجبّراً، فلا حلّ في هذا الموطن إلا أن تخاطبه بنفس لغته، وتعامله بنفس أسلوبه؛ لأنه لا يفهم لغة غيرها!
الناس تنظر إلى النتائج فقط
مهما بلغ مستوى أداء الفريق من المثالية فلا يُقبل منه ما لم يُحقق نتيجة الفوز، فالمشجعون لا يهتمون بالأداء -إلا ما ندر-، وإنما ينظرون إلى النتيجة النهائية فإن كانت مرضية رَضوا عن الفريق والإدارة وكان الجميع سعيداً، وإن كانت مُخيبة سخطوا -إلا من رحم الله- على الفريق والإدارة وجميع من بالنادي وحتى عامل النظافة! ولن يسلم من كان سبباً في الخسارة من سهام النقد والتجريح والتقريع، وقد يطاله وعائلاته السب والشتم ومختلف الإهانات عياذاً بالله. وهذا من مساوئ هذه الرياضة.
وما نخرج به من هذا أن الناس لا ينظرون إلى تعبك وكدك وسهرك ومرضك في سبيل الوصول إلى مرادك، ولكن يمعنون النظر في المُخرج النهائي، فإن كان خيراً احتَفوا به، وإن كان شرّاً نكّلوا بصاحبه، وليس الأمر على إطلاقه، ولكنه بات أكثر وضوحاً في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن الأمثلة على ذلك: أن بعض القرّاء يقرأ بعض المقالات سريعاً، ولا يعلم كم من الساعات والأيام التي قضاها هذا الكاتب في كد الذهن لجلب الفكرة ثم الكتابة والمراجعة والتحرير والتنسيق والنشر، ثمّ يأتي وينتقد بملء شدقيه نقداً هدّاماً، كاتهام أحدهم الكتّاب المعاصرين بأنهم يجنون على فن الكتابة بأسلوبهم الحداثي ولحنهم الكثير وما إلى ذلك، ولو سألته بم نفعت الناس أنت؟ وما هو إنتاجك؟ لما عرف للسؤال إجابة. فهنا أمثال هؤلاء لا يعيرون اهتماماً سوى بالمخرج النهائي ويحكمون بناءً عليه.
والمقصود: أنّك أدرى الناس بنفسك من غيرك، فلا يُنقص قدرك حكمهم الجائر، ولا يُعلي منزلتك مدحهم الزائد، خذ الحلو من كلامهم واترك الغثاء، وتعلّم من النقد البنّاء، ولا يوقفنّك شيء عن بلوغ عنان السماء.
الأخطاء الفردية
لا تكاد تخلو جولة من منافسات كرة القدم إلا وفيها أخطاء فردية عادت على الفريق بالهزيمة. ومن جميل هذه الرياضة أن الخطأ يتحمّل مسؤوليته جميع أعضاء الفريق مع اعتذار صاحبه عمّا بدر منه.
ولو طبقنا ذلك في حياتنا وخصوصاً في بيئة العمل لكان خيراً وأعظم نفعاً، لكم ساءني عندما شكا لي صديقي الذي يعمل كاشيراً في أحد المطاعم، أنه أخطأ ذات مرة وقَبِل بطاقة بنكية مرفوضة من أحد الزبائن سهواً بمبلغ كبير، فما كان من صاحب العمل إلا أن حمّله وزر ذلك المبلغ كاملاً ولم يبال براتبه الزهيد أو وضعه الصعب، وصبّ جام اللوم عليه، تحت ذريعة أن الزجر بأن لا يعيد هذا الخطأ مرة ثانية، أو العبرة بأن يكون عبرة لغيره. بعض المسؤولين يُخرج الموظف من دائرة الإنسانية التي يسود فيها الخطأ والصواب إلى دائرة الكمال التي لا تكون إلا لله عزّ وجل، فلا يقبل منه العثرة أو الزلة مهما كانت،فمثل هذه البيئات هي التي تستنزف الطاقة، وتهدم الصحة، نعوذ بالله منها.
وختاماً، لا يظن أحد أنّي أحذر من كرة القدم وأنتقد من يشاهدها، بل أنصح بعدم إسراف الأوقات فيها، ولا بأس من المشاهدة بين الفينة والأخرى من باب الترويح عن النفس، مع أخذ الحيطة والحذر من العصبية المذمومة.
معاني الكلمات
الكلمة | معناها |
جحافل | حشد، جمع غفير |
لا مناص | لا مفر، لا ملجأ، لا مهرب |
عودي | العود: كُلُّ خَشَبَةٍ، دَقِيقَةً كَانَتْ أَوْ غَلِيظَةً، رَطْبَةً كَانَتْ أَوْ يَابِسَةً |
الخوالف | مأخوذة من قوله تعالى: “رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلۡخَوَالِفِ” جمع خالفة وهي المرأة، لتخلفها في البيت فلا تخرج لقتال، وقصد به التهَكُّم بالقاعدين عن الجهاد. |
معرض | موضع ذِكْر الشَّيء أو موضع ظهوره |
تقريع | تأنيب وتوبيخ |
حذو القذة بالقذة | كما تشبه ريشة السهم للريشة الأخرى، مأخوذ من الحديث الشريف: “لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه”، |
هذا ما جاد به القلم وسلام الله عليك، ضع بريدك الإلكتروني في آخر الصفحة لتكون من أوائل القرّاء، أراك في مقالة أخرى يا صديقي👋
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ما شاء اللّٰه تبارك اللّٰه كفيت ووفيت وأفدت وأجزت
استمر حفظك الله
(من طلاب الدار )
رفع الله قدرك أستاذ: سفيان