تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » تجربتي في دورة حفظ السنة النبوية الصيفية التابعة لمركز حفّاظ الوحيين المقامة بمكتبة الحرم المكي الشريف ١٤٤٥

تجربتي في دورة حفظ السنة النبوية الصيفية التابعة لمركز حفّاظ الوحيين المقامة بمكتبة الحرم المكي الشريف ١٤٤٥

بعد تخرجي من كلية الحرم المكي الشريف تفرّقت وزملائي في معتركات هذه الحياة، وسعى كلٌّ في طريقه، والنفس تتوق إلى تلك الأيام التي قضيناها في مقاعد الدراسة، وإلى حِلق طلب العلم، وخشيت على نفسي من الانقطاع، فعزمت الإلتحاق بالدورات الصيفيفة التي تقام كل سنة، في مدة زمنية قصيرة يتفرّغ فيها الملتحق للدورة للحفظ وحضور الدروس بشكل مكثّف.

وكان آخرها دورة حفظ السنة التابعة لمركز حفّاظ الوحيين بالرياض، استضافتها الرئاسة العامة لشؤون الحرمين، وأقامتها في مكتبة الحرم المكي الشريف. 

صورة تعبر عن مجموعة طلاب يجلسون في مكتبة
المصدر: تصويري

التحقت بها مدة عشرة أيام، وصاحبت طلاب العلم من مختلف البقاع والأجناس واللغات، جمعتهم غاية واحدة وهي حفظ السنة الشريفة، كانت هَمّهُم وهدفهم الوحيد في تلك الأيام، ينامون ويستيقظون على حفظها ومطالعتها، جالسوا النبي صلى الله عليه وسلم بكامل عقولهم وأجسادهم وأرواحهم.

فمن حافظٍ لكتاب: الجمع بين الصحيحين للأشبيلي، ومن حافظ لكتاب: بلوغ المرام لابن الحجر، ومن حافظ لكتاب: عمدة الأحكام للمقدسي، رحمهم الله.

اصطفاهم الله عز وجل من بين الخلائق ليحفظوا دينه، ويحملوا رسالة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومما شدّني في معاشرتهم، أنهم يتكلمون بالعربية الفصحى،  وأين تجد في هذا الزمان من يجالسك ويحدثك بالفصحى؟ 

صورة تعبر عن مجموعة طلاب داخل مكتبة
المصدر: تصويري

ليس ذلك بغريب على من يحفظ كلام أفصح من نطق بالضاد، فطلاب الشريعة -نحسبهم والله حسيبهم- أقرب الناس إلى اللغة العربية الصحيحة بطبيعة كتبهم وموادّهم التي يدرسونها. 

ومن فوائد حفظ السنة أنها تربي النفس وتهذب الأخلاق، فمرةً كنّا جلوساً في صالة الطعام، نطعم وجبة العشاء، انكسر كرسي أحد الطلاب فسقط على الأرض واحمرّ وجهه من شدة الإحراج، وكنت انتظر صوت الضحكات المرتفعة، والصيحات المستهزئة، كما هي العادة في مثل هذه المواطن بين عامة الشباب، ولكن حملة السنة مختلفون، فبدلاً من ذلك هرع إليه ثلاث شبّان، أقامه أحدهم من الأرض، والآخر لاطفه بالكلام، والثالث جلب له مقعداً آخر.

صورة تعبر عن مجموعة طلاب يجلسون في مكتبة
المصدر: تصويري

هذا ما تربيه وتعلمه لنا سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تلك بيئة تستحي إذا أتى الليل والناس قيام يوترون ألا تقوم معهم، أحاديثهم عن ما قال عليه الصلاة والسلام ومن رواه عنه، ومن أخرجه، تجدهم يحفظون السنة على الطرقات والأبواب والممرات، قياماً وقعوداً، صباحاً ومساءً، الله يصطفي في كل زمان من يحفظ دينه ويقيم أوامره ونواهيه.

صورة تعبر عن مجموعة طلاب يجلسون في أروقة المكتبة
المصدر: تصويري

وممن حضر الدورة الشاعر: الحسين بن المحسن الدرعمي فأنشد في هذه المناسبة قائلاً:

“لما مضت أيام عديدة، وليال مديدة، نظمت في ذلك قصيدة، أنشأتها في بيت الله الحرام،
بعيد الركن والمقام، حوت من معانيها الأصول فأنشد من البسيط، فأقول:
نفحٌ من الطيب أم تبر من الذهب
أم بحر فضل يغشي الموج من لجب

أم غيث مزن أجاد الأرض في دعة
فأنبت الأرض من دمن بلا وصب

هذا الذي يحفظ الوحيين مبتهلاً
وينهل الري من صفو فلم يشب

فيصدق القول فيه قول أوله
“في متنهن جلاء الشك والريب”

لولا الحديث لصار الناس في ظلم
تغشى على الناس من هم ومن كرب

إذ الحديث على الإنسان منعمة
يزين محياه ينجيه من اللهب

شمس أضاءت من الأكوان ظلمتها
حتى توهج من نور ومن شهب

إن يحفظ الجمع فهي خير منقبة
قد زانه الله أنواراً على الحقب

ساد المجامع من قول ومن عمل
وباء بالفوز من ذكر ومن لقب

وفي البلوغ أحاديث مجمعة
حوث من الفقه من أصل ومن سبب

والمقدسي كذاك الفقه جمعه
في قوله عمدة الأحكام لم تعب

إني أيمم شكري خالصاً أبداً
لمن يذلل حفظ العلم والكتب

رئاسة الحرمين خير من وليت
متوجاً فضلهم فضلاً على الحسب

لو رمت وزناً من الأفضال نعمتهم
لزادت اليدُّ معياراً على الذهب

وما استطعت تُوافي شكر نعمتهم
كالأرض تشكر ماءً جا من السحب

وفي الختام أقول الله يجمعنا
في مستقر جنان الخلد والقصب”

وختاماً، عليكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، عضو عليها بالنواجذ، فنحن في زمنٍ القابض على دينه كالقابض على الجمر، فاستوصوا بها خيراً، وتزودوا وتفقهوا في دينكم، وبلغوها لمن لم يعلمها، كما قال عليه الصلاة والسلام: “نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع”. 

هذا ما جاد به القلم، اسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

1 أفكار بشأن “تجربتي في دورة حفظ السنة النبوية الصيفية التابعة لمركز حفّاظ الوحيين المقامة بمكتبة الحرم المكي الشريف ١٤٤٥”

  1. تنبيه Pingback: قصة العمل التطوعي في الحرم المكي الشريف وآثاره المجتمعية – مدونة موسى بن عبد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *