تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » قصة قصيرة: غريزة

قصة قصيرة: غريزة

بينما كنت جالساً في إحدى حدائق حيّنا مرّ بجانب قدمي عقرب صغير، مشى بتؤدة في حاله لا يعير بالاً لأحد حوله، حانت منّي إليه لمحة خاطفة، تلتها لمحة ثانية وثالثة، وهو لا يزال يسير في سبيله بسلام، شعرت برغبة ملحّة بالدهس، الرغبة في سماع طحن شيء ما، وقريب منّي كائن صغير جذّاب، ولكنّه مرّ بسلام لم يلتفت لأحد أو يؤذي أحداً!

اشتدت الرغبة، أيكون للبشر غريزة مكبوتة تحرّضهم على قتل الكائنات غير البشرية؟

هي عقرب على كلِّ حال، سيكبر ويطال أحد ما شرَّه، ولم يدرِ المسكين ما حدث حتى وجد قدماً عملاقة تهبط نحوه، حاول أن يستلّ سلاحه الذي لم يكتمل نضجه، ولكن هيهات، في لحظة انطفأت الأضواء من عالمه.

هدأت الرغبة على إثر هذه الجريمة؛ إذ قد نالت مرادها،

وانبرى جانبي العاطفي يحزّني ويأنّبني حتى ضاق صدري، أيكون البشر بهذه القسوة والظلم؟

على مجرّد حشرات صغيرة!

فاضت مشاعري بالحزن، وانكفأت أُندِّد وألوم الرغبة التي تملكتني.

حانت مني التفاتة عزاء نحو الجثة، وإذا بحبّات نمل تتفحّصها، لابد من أنّ لديها رغبة الفضول، فلكل كائن حيٍّ في هذه الحياة نزوة،

بعد دقائق، فُوجئت بازدياد عدد النمل، ما أكثر فضول هؤلاء القوم،

وبعد قليل، فُجعت بجحافل منها تتغذى على الجثة وكأنهم بشر أشهروا ملاعقهم لتناول طبقٍ من الحاشي، يا إلهي، من أين أتت هذه البطون الجائعة، وكيف تجوع بطون بحجم الذرّة؟!

في خضم اندهاشي، ارتاح ضميري المُؤنب، وفي نفس الوقت فرحت غريزة القتل؛ إذ بفعلها نالت قبيلة النمل عشاءها وفطورها وحتى غداءها، والفعلة إن كانت جريمة في حقِّ العقرب إلا أنها نعمة في حق من كان سيتأذى منه في المستقبل، ووجبةٌ دسمةٌ على مائدة النمل. 

بعد دقائق جاءني اتصال وهممْتُ بالذهاب، ولم يمنعني ذلك من إلقاء نظرة سريعة أخيرة، والمفاجأة لم يعد للعقرب أيّ أثر! امتعضت من ذلك؛ إذ لم أشهد لحظات التهامهم للقمة الأخيرة،

تقطّب جبيني، وقلت بقبضتي هكذا✊️، 

وإذا بناموس ميّتٍ فيها،

يا للمسكين الآخر! 

راح ضحية لامتعاضي، يا ترى سيكون وجبة لمن هذه المرة؟

شاهد أيضاً

قصة قصيرة: زنزانة في عالم افتراضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الوسوم: