تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ما مدى تأثير سوق العمل على الأمهات في تربية الأبناء؟ وكيف تُهدم الأسر بالاستقلالية والفردية؟

ما مدى تأثير سوق العمل على الأمهات في تربية الأبناء؟ وكيف تُهدم الأسر بالاستقلالية والفردية؟

صورة تعبر عن الدكتورة آلاء نصيف

في إحدى حلقات ثمانية من بودكاست مربع، استضاف المحاور: حاتم النجار ضيفاً فريداً من نوعه، وهي الدكتورة: آلاء نصيف. ناقشت في هذه الحلقة موضوعاً مهمّاً يمس شرائح كبيرة من المجتمعات إن لم تكن كلها، وهو الأسرة، والمرأة، والتربية، والفردية، والاستقلالية، وآثارها الكبيرة على المجتمع، وامتازت بأسلوبها المبسط والجميل في إيصال المعلومة للمتلقي، كما أظهرت الحلقة سعة علم هذه الدكتورة ومعرفتها وتجاربها. ولما رأيت من أهمية مثل هذه الحلقات وضرورة إيصالها إلى الناس، لخصتها وجمعت أبرز الأفكار فيها وحذفت الحشو منها، ونسقتها ورتبتها لتكون في متناول القرّاء.

علاقة الهوية بالتربية

اللغة مرتبطة بالهوية، والهوية مرتبطة بالتربية، لذا ثمة فرق بين التربية الغربية التي تكون باللغة الإنجليزية وبين العربية التي ترتبط بالمصدر الأساسي وهو القرآن، قال تعالى: “ولكن كونوا ربانيّين” قال المفسر السعدي أي: علماء حكماء حلماء، فهذه مواصفات المربي الإسلامي.

 والطفل يكون بذرة يعمل على سقيها الوالدان، وهو المحور الأساسي في تكوين المجتمع، بعكس المنظومة الغربية التي تستند إلى العالم فلان وعلان وحقوق الإنسان، وتسند الدور الأكبر في التربية إلى الأنظمة والقوانين لا للوالدين بالدرجة الأولى، وهذا هو النظام الرأسمالي الذي يعتبر الأفراد مستهلكين مُكونين من أرقام، بالإضافة إلى ما يُروّج له من الفكر الفرداني والاستقلالي غير الأخلاقي والميول الجنسية.

كما أكدت الدكتورة آلاء: إن العرف والتقاليد عامل مهم وجزء لا يتجزأ من تكوين هوية الشخص إلى جانب اللغة.

الهوية مبنية على أربع أمور:

  • اللغة 
  • الثقافة
  • الدين
  • التاريخ

ولا يمكن تمريرها جميعها للجيل الجديد إلا عن طريق الأسرة المتكاملة بتوريثها جيلاً عن جيل، فإن عُدم ذلك لجأ الطفل إلى الأجهزة والهواتف التي  يكون التفاعل فيها سلبياً من طرف واحد فقط، وهذا يقمع لدى الطفل الدافع الذاتي للقيام بالأمور، والتدرّج في تعلمها كما نتدرج في تعلم فريضة الصلاة، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “علِّموا أولادَكُمُ الصلاةَ إذا بلَغُوا سبعًا ، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشْرًا وفرِّقُوا بينهم في المضاجِعِ”. كما تُؤثّر هذه الأجهزة على طاقة الطفل الاستيعابية، والقدرة على التحمل، والقدرة على التفاعل والتفاوض والتواصل. ويلجأ الطفل أيضاً عند غياب الأبوين إلى الأصدقاء، وعلاقة الصداقة أفقية لا تربي الطفل بقيم ثابتة كما يفعل الوالدان.

لماذا الأسرة هي الركيزة الأساسية؟

المكونات الأساسية للمجتمع والدول هي الأسرة التي تتكون من أب وأم وأطفال، وهي رأس المال البشري الذي يقوم عليه الاقتصاد، ولهذا تفكيك المجتمعات يبدأ بتفكيك الأسرة، ولأنها الركيزة الأساسية لبناء المعتقدات والقيم وطريقة التعامل مع الآخرين ومع الذات، وترسيخ مبدأ أن الإنسان يتكوّن من ذكر وأنثى لا ثالث لهما كما قال تعالى: “وخلقناكم من ذكر وأنثى”.

واستشهدت الدكتورة آلاء بقول ابن خلدون (بالمعنى): “إذا أردت معرفة مكانة الدول وقوّتها أنظر إلى تماسك الأسر”. وأن المؤشرات التنافسية للاقتصاد العالمي الدولي لم تُنزل سويسرا وسنغافورة عن المركزين الأوليين حتى خلال الأزمة المالية ٢٠٠٨ التي حدث فيها تغيير جذري في ترتيب الدول ذات الثمان المراكز المتبقية، ويرجع ذلك إلى الجهود الكبيرة المبذولة للأسرة من الدولة والمجتمع.

ما الفرق بين المجتمعات الفردانية والجماعية؟

في مجتمعاتنا لدينا ثقافة راسخة ولكن نفتقد للمعرفة والإدراك، إذ بدونهما تبنينا الأفكار الغربية الفردانية والاستقلالية، ولو تساءلنا هل الفرد هو المواطن؟ بالطبع لا؛ لأن المواطن ينتمي إلى دولة له وعليه حقوق وواجبات، تعطيه الدولة ويعطيها، فهو المكون الأساسي للجماعة. بينما تنبع قوانين الفرد من داخله وتتغير بتغير حاله، وأحكامه تبعاً لمصالحه، فهو إذا ضد الجماعة.

ما علاقة الأسرة بالمخرجات البشرية؟

للأسرة علاقة وطيدة في تربية الأبناء ولا يمكن أن يستغني أحدهما عن الآخر، وليس بالضرورة وجود جميع أفراد الأسرة يعني وجود أبناء منتجين ومتماسكين، والعكس بالعكس، وإنما العبرة بالتربية الواعية الممنهجة.

ولو تأملنا السبب في موت الأخلاق لدى الغرب، نجد أنه بسبب هدم الأسرة وتفريقها، وضريبته عبادة الجنس والمال والوفرة والشهرة والهوى. ذُكر في إحصائيات الدكتور باتريك أن ٢٥% من الفرنسيين غير شرعيين وفي حاضرنا أصبحوا ٣٠%، بسبب كثرة الإخصاب غير الشرعي. وفي ظل غياب دور الأب والأم لا يمكن أن تغطي الدولة دورهما؛ لأن الطفل مفطور على التعلق بأبويه وحبهما والاقتداء بهما ومحاكاتهما.

اقرأ أيضاً: كيف نغير العادات القديمة السقيمة، ونكتسب العادات الجديدة الحميدة، بطريقة عملية مجرّبة

كيف هدمت الأسر؟

هناك طرق كثيرة اتُّبعت في هدم الأسر ونذكر هنا أربع طرق:

الطريقة الأولى: استخدام المرأة ضد المرأة (النسوية).

الثانية: هدم دور الأم بطريقيتين:

  • التغرير بها، بجعلها أعلى قيمة ومنزلة من أن تكون أمّا.
  • رفع سقف التوقعات بأن لا يمكن تقدير وتحقيق الذات والمنجزات إلا بالخروج إلى سوق العمل.

وليس كل امرأة تخرج للعمل تكون سعيدة، فقد تتكالب عليها مهام المنزل والأمومة بالإضافة للعمل فتهلك. وأيضاً قد تكون المرأة العاملة أعظم تربية وتدبيراً من غير العاملة التي لم تع دورها ومسؤوليتها. فليس خروج المرأة إلى سوق العمل هو المضر بذاته، بل عدم إدراكها  لدورها العظيم بصفتها أمّا. وليس كل فتاة تخرّجت من أفضل التخصصات وأعلى الدرجات يجب أن تتجه لسوق العمل، بل ما تعلمته يُعينها على تربية أبنائها بأفضل الأساليب وأنجعها.

الثالثة: بث دعوى المساواة بين الزوجين والتشاركية، بل حتى بين المرأة وأولادها  فلا تعطي الأم بدافع الأمومة والرحمة ولكن تنتظر من أبنائها مقابل ما أعطته.

الرابع’: أن يتحول المنزل إلى مقر لإصدار الأوامر وتنفيذها فقط. والطريقة الصحيحة تكون بالقدوة الحسنة والتقليد والتلقي والتلقين والمحاكاة، وأما الأوامر فالنسبة الأقل.

ما الحل للمرأة التي تُفني سنين عديدة في الدراسة ثم يكون مصيرها مرهوناً بزوجها أو بسوق العمل؟

يتلخص الحل في خمس أمور:

  • أولها: أن تجعل التعلم مشروع حياة وليس مقتصراً على تحقيق غايات سوق العمل.
  • ثانيها: أن تفهم حقوقها الدينية.
  • ثالثها: أن تنمي ثقافتها المالية وتنوّع دخلها، ومن الأمثلة على ذلك: أمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، كانت ثروتها تعدل ثلث ثروة قريش، وقد كانت تستأجرهم لتسيير تجارتها ولم تنزل للسوق قط.
  • رابعها: أن تتعلم مهارات اختيار شريك الحياة.
  • خامسها: أن تعي أن الإنجاب والتربية أعظم مطلوب، وأشرف مرغوب، وفوق كل وظيفة، والرزق بيد الله يرزق من يشاء بغير حساب.

كيف تحقق المرأة ذاتها؟

هذا السؤال طبيعي لنساء اليوم، فبعد أن تعي المرأة ما سبق، عليها ترسخ في ذهنها عدة مبادئ:

  • المبدأ الأول: أن لا ترتبط بما يقوله الناس سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو في المجتمعات النسائية والعائلية وغيرها.
  • الثاني: أن تعلم أن الوظيفة ليست كل شيء، وليست مرتبطة بعمر معيّن. فإن جلست في المنزل فهي ربة منزل وليست عاطلة، ويمكن أن تعتني بأطفالها إلى أن يكبروا ثم تتجه إلى سوق العمل.
  • الثالث: أن توازن بين الأمومة والوظيفة، وتتجنب الثاني في الثلاث سنين الأولى للطفل.
  • الرابع: فهم الذات ومعرفتها حق المعرفة.
  • الخامس: أن يكون معيار قياسها لنفسها سماوياً وروحياً وليس أرضياً، وذلك بتحسين العلاقة مع الله -عزّ وجل- والرضا بما قسمه لها.
  • السادس: أن يكون تحقيق الذات من الداخل للخارج وليس العكس، على سبيل المثال: التحقيق الداخلي المطلوب: أن تعرفي قيمتك وتفتخرين بما تملكينه ولو كان بسيطاً، التحقيق الخارجي المرفوض: أن تكون قيمتك في وظيفتك أو شنطتك أو سيارتك وتنعدم بدونها.

ختاما لكل من الزوجين والأبوين مسؤولية عظيمة ودور كبير تجاه بعضهم البعض، وتجاه أبنائهم، والواجب عليهما أن يجعلا الشرع هو الأصل في طريقة الحياة السليمة وليس ما يروج بين المشاهير ومن يسمون أنفسهم بالمؤثرين، وأن لا ينساقوا خلف القيم الغربية غير الأخلاقية.

رابط الحلقة على يوتيوب:

اشترك ببريدك في أسفل الصفحة لتكون من أوائل القرّاء في هذه المدونة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *