تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » كيف يكون صاحب المهارات المتعددة أعلى نفوذاً من مديره؟

كيف يكون صاحب المهارات المتعددة أعلى نفوذاً من مديره؟

صورة تعبر عن بالون مرتفع بلون مختلف عن باقي البالونات

هل سبق وأن قابلت شخصاً يعمل في مجالٍ لا علاقة له بتخصصه؟

أما أنا فقد رأيت الكثير منهم، إذ قد بات من المعلوم أن الشهادة الدراسية لا تفي بالغرض وحدها، بل إن هذا الأمر أقرب إلى أن يكون من الأمور المسلمة. وبالرغم من ذلك يخفى هذا الأمر على فئة كبيرة من الناس، فحتى الآن مازلت أسمع تلك الأمنيات التي تتمحور حول دراسة تخصص معين، وأن الجنة ستفتح أبوابها لكل من يحصل عليه.

فلو تأمل المرء فيمن حوله وفتش في قصصهم ورحلاتهم، أو قرأ في السير الذاتية للناجحين، لوجد في ذلك فوائد كثيرة، وعبر منيرة. ومن جميل القصص التي أقصها عليكم، ما كان في المرحلة المتوسطة والثانوية اللتين كانتا في مدرسة واحدة، كان هناك قسم يدعى بالنشاط الطلابي، فريداً من نوعه من خلال أنشطته وبرامجه ولقاءاته ورحلاته، وقد كنت ومجموعة من الطلاب يتقلّد كل واحد منّا مهاماً معينة يختصُّ بها، فأحدنا كان يتولى مهمة التصوير والتوثيق، والآخر مهمة الإلقاء والتقديم، وآخر مهمة التصميم والمونتاج، وكنت أتولى المهام الاجتماعية التي تتعلق بتنسيق الطعام والضيافة والمفرحات(السناكات والفشفاش والحلويات). وصادف أن أكثرنا يعاني ضعفا من مادة اللغة الإنجليزية، فيجتمع بنا طالب آخر قد فتح الله عليه في هذه المادة ليدرّسنا ويعلمنا، ومرّت السنين، ولم يعلم أحد منّا مقدار تأثير المهام التي كان يقوم بها على ذاته في المستقبل.

وبعد تخرجنا من المرحلة الثانوية تفرقنا شذر مذر، وصرنا كما قال الشاعر:

 كلٌّ له سعيه والسعي مختلفٌ
وكلُّ نفسٍ لها في سعيها شاء

اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على الشتات والتخبط بعد التخرج؟ تجربة بقلم خرّيج (شريعة)

ومؤخراً كنت جالساً مع أحد أساتذتنا الذي كان رائداً للنشاط الطلابي في ذلك الوقت، وقد مضى من الزمان أزيد من 7 سنوات، فكان يحدثني بأن كل شيء في حياتنا مهما كان بسيطاً أو عابراً تتشكل على إثره شخصياتنا وماهيتنا دون شعور منّا، وأن أحدنا عندما يمارس شيئا فيراه سهلاً عليه يشربه كشرب الماء -على الرغم من صعوبته على غيره- يرجع ذلك إلى الممارسات السابقة التي شكلت عملية تراكمية كوّنت شخصيته، وصقلت مهاراته، وطبعت فيه ما يميزه عن غيره.

فالذي كان يمارس التصوير أصبح متفرداً في مجاله يعمل في شركة مرموقة ودائماً ما يحثُّنا على خوض تجربته، والذي كان يتولى مهمة الإلقاء والتقديم صار يمتلك برنامجاً خاصاً وذاع صيته وصار يعمل في وسائل الإعلام، ومن كان يتولى مهمة التصميم صار يتكسب بهذه الحرفة من خلال الأعمال الحرة، وأضحت بالنسبة له مصدر دخلٍ إضافي زائداً على وظيفته الأساسية، ومن كان يعلمنا اللغة الإنجليزية تعيَّن مدرساً في مدرسة أهلية مباشرة بعد تخرجه دون أن يحصل على شهادة البكالوريوس أو يلبث زمناً طويلاً حتى، وأما صاحبكم فصار يعمل في مجال الإدارة والإشراف والتنسيق، فانظر -أرشدك الله لما فيه الخير-كيف أثرت تلك الأنشطة على مسار كل واحد منا وقد كنّا نمارسها من باب التجربة والمتعة والتشويق المصاحب لها لملء أوقات الفراغ.

فإنما هي تفاصيل صغيرة تترابط وتتكامل عبر الزمن، تترك تأثيرها في نفس صاحبها شيئاً فشيئاً. وقد لا يراها المرء في نفسه ولكن من حوله يلاحظون، “فالمسلم مرآة أخيه المسلم”، والشاهد في ما ذكرنا أن تلك المهارات نفعتهم أكثر مما نفعتهم به شهاداتهم، ولا أقصد بذلك الحط من قدر الشهادة فلا غنى عنها إذ هي الأساس، ولكنها وحدها لا تسمن  ولا تغني من جوع إن كان صاحبها مفتقراً إلى المهارات الحديثة الموافقة لعصره، والمهارات الحياتية التي يخوض بها غمار التحديات، ونحن في زمن السرعة والمتغيرات، ومع الأسف لم تعد كثير من المدارس والجامعات تواكب هذا التسارع الهائل، لذلك وجب على المرء أن يسمو بنفسه بالتعليم الذاتي المستمر والمتجدد لكي يتقدم ولا يتقادم.

اقرأ أيضاً: كيف نغير العادات القديمة السقيمة، ونكتسب العادات الجديدة الحميدة، بطريقة عملية مجرّبة

وعلى الصعيد الشخصي عندما عزمت على تعلم مهارة الكتابة قبل سنتين، استشرت كثيراً من أهل الرأي وغيرهم، وكان حاصل ما قالوا أنها مهارة جيدة، ولكنها على مستوى المال لا تدرّ كثيراً، وعلى مستوى القيمة فغيرها من المهارات التقنية أفضل منها، وقد صدقوا في الأولى وخابوا في الثانية، فبعد أن مارستها وحاولت التكسب بها وجدت أن مردودها المادي ليس بشيء، ولكن عندما ضممت إليها مهارات أخرى تُكملها أضحت الكتابة مهارة ذات قيمة عالية جداً تميزك وتبرزك عن غيرك من أقرانك، على أن الكتابة أسمى من تختزل تحت مسمى مهارة ينتفع بها، إذ هي فن أدبي يرتقي بفكرك وعقلك، ويجعلك تحوّل التفاصيل الصغيرة الهامشية إلى لوحة فنية بديعة ترسمها كيف شئت.

ومن الجدير بالذكر أن صاحب المهارات المتعددة قد يعلو نفوذه في بيئة العمل على غيره ممن هو أعلى منه منصباً، وذلك لإن زمام الأمور بيديه، فلو كان حاضراً زادت الإنتاجية في العمل، ولو غاب تأثرت تأثراً كبيراً، بينما لو غاب أحد زملائه استطاع تغطية مكانه، فحاز بمهاراته النفوذ من غير أن يكون له منصب.

هذا بالإضافة إلى ما يفتحه تعدد المهارات من الآفاق الكثيرة، كتعدد مصادر الدخل، وميزة التنافس من قبل الجهات على صاحب المهارات المتعددة مما يفتح سبل الاختيار أمامه لينتسب إلى من يريد بشروطه الخاصة. ومع ذلك لا غنى عن التعلم المستمر والمتجدد كما أسلفنا الذكر فنحن في عصر المتغيرات السريعة، ولو جمع المرء بين الشهادة المناسبة وتعدد المهارات فقد حاز بهما فضيلة السبق، وكان من حقه أن يشار إليه بالبنان، وفقنا الله وإياكم لما فيه صلاح الدنيا والآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الوسوم: