تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » كيف تجعل الخصوصيةُ البشرَ ينقرضون؟

كيف تجعل الخصوصيةُ البشرَ ينقرضون؟

صورة تعبر عن كتاب وهاتف وجهاز لوحي مقفل بالسلاسل

“أنت سيد ما تخفيه وأسير ما تفشيه”

“الخصوصية قوة فالناس لا يستطيعون تدمير ما لا يعرفون”

انتشرت هاتان العبارتان ومثيلاتها في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي كلِّ مرة أقرأُها أتساءل إن كان يسوغ هذا الأمر على إطلاقه هكذا؟

بادئ ذي بدء يجب أن نعلم أن الله خلقنا اجتماعيين نحتاج إلى بعضنا البعض، في البيع والشراء والمعاملات وتبادل المنافع وفي كل شيء، وينطبق ذلك على مستوى الأفراد والجماعات صعوداً إلى مستوى الدول، من تبادل المنافع السياسية والثقافية والتعليمية وغيرها، ولو أعملنا الخصوصية في هذا الموطن لانزوت كل جماعة بنفسها واكتفت بمواردها المحدودة وربما هلكت وانقرضت مع مرور الزمان.وفي المقابل على مستوى الأفراد فإن ممارسة الخصوصية أمر محمود في بعض المواطن، كما لو عزمت على فعل أمر وجهرت به في الناس، ثم حيل بينك وبينه، فلربما صَغُر وجهك بينهم وصار كلامهم عن عجزك وبالاً عليك.

وأيضاً من الأمور التي عُرفت بالتجربة أنك إذا حدثت الناس عن أمر رفيع ستفعله وجاءك شيء من الإطراء والمدح والإشادة، تقاعست نفسك عن فعله أو إتمامه، وكأنها قد حصّلت المكافأة التي تبتغيها من وراء هذا الأمر.

وبالرغم من ذلك هل تسوغ الخصوصية في كل موطن وعلى كل حال ومع أيٍّ كان؟

أقول وبالله التوفيق: أن الخصوصية أنواع ولكل نوع درجات، فمنها ما يكون مع العائلة، ومنها ما يكون مع الأصدقاء، ومنها ما يكون مع زملاء العمل، ومنها ما يكون مع العلاقات الضعيفة أو العابرة، ومنها ما يكون في وسائل التواصل الاجتماعي.

الخصوصية مع العائلة

أما الخصوصية مع العائلة فليست كغيرها، إذ عليك في هذا الموطن أن تكون شفّافاً مع أبويك وإخوتك وزوجك في أمور قد لا تبوح بها أو تشاركها مع غيرهم، وفي نفس الوقت من المهم أن تحافظ على مساحتك الشخصية وقراراتك الخاصة واهتماماتك الفردية.

الخصوصية مع الأصدقاء

وأما مع الأصدقاء فهي على درجات وذلك بحسب قرب الصديق وبعده، وفي كل الأحوال تحتاج إلى مشاركة الأفراح والأتراح على حد سواء، وبث بعض ما يستجد من شؤون حياتك ليستديم الودُّ بينكما، فالصديق الذي لا يعرف عنك شيئاً ولا تعرف عنه شيئاً ليس بصديق، وإنما هي علاقة عابرة كما سنأتي على بيانها. والصداقة التي تكون المشاركة فيها من طرف واحد متكلفة ومحكوم عليها بالانقطاع، فليس من العدل أن أشاركك أفراحي وتكتم عني أفراحك، وأن استشيرك في قراراتي وتحجب عني كل تفاصيل حياتك.

وقد يصادف أحدنا أن يعاتبه صديقه على عدم إخباره بشيء ما، وما ذلك إلا لظنه بأنه قد بلغ منزلة من صديقه يستحق معها أن يعرف ذلك الخبر، وتلك من أعلى مراتب الصداقة. والمشاركة مع الأصدقاء تفتح للمرء آفاقا جديدة، وتعطيه خيارات أوسع في شؤون حياته، وأجمل مافيها أنها تساعد على حل المشكلات.

شاهد أيضا: كيف نطبق نظام رياضة كرة القدم في حياتنا؟

الخصوصية مع زملاء العمل

 وأما زملاء العمل فغالباً أنت لا تحتاج إلى مشاركة أي شيء لا يتعلق بالعمل معهم، وقد يُعدُّ السؤال عن ذلك ضرباً من التدخل في شؤون غيرك، ولكن هذا لايعني أن تكون العلاقة جافة بين زملاء العمل، فنحن تجمعنا أخوة الإسلام قبل كل شيء، ومن الجميل أن تظهر الفرح والسرور لزميلك إن علمت أن له مناسبة سعيدة، وتلبي دعوته إن دعاك لها، وتقف معه في مصيبته إن علمت بها ولو بالمواساة، ذلك أدعى إلى الألفة وأبعد عن الجفوة، وآكد في توثيق رابطة المسلمين فيما بينهم. وهناك بعض الزملاء تتطور العلاقة بينهم إلى صداقة، بل إلى أعمق من ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام: “الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف”.

الخصوصية مع العلاقات الضعيفة

وهناك نوع من العلاقات يسمى بالعلاقات الضعيفة أو العابرة، وقد تحدث عنها محمد الحاجي في بودكاست آدم، وهي حلقة رائعة أنصحك بها وبالبودكاست كله. مثال هذا النوع من العلاقات جارك الذي تقابله في المسجد وتسلم عليه دون أن تتبادلوا الكثير من أطراف الحديث، وذلك الشخص الذي تصادفه كثيراً في القهوة أو مركز التموينات، وشخص تشاركت معه في إنجاز عمل ما، أو وظفته -أو وظفك- مؤقتاً لإنجاز عمل ما، فكل هذه الأنواع وما شابهها تدخل في إطار العلاقات الضعيفة العابرة، وأنت لا تحتاج مع هؤلاء إلا إلى إظهار الاحترام والتقدير، واللباقة في التعامل، وإن أردت تبادل المنافع مستقبلاً فحاول أن توطد العلاقة أكثر عن طريق التواصل المستمر غير الممل.

ومن المثير للاهتمام أن فئة قليلة من الناس ترى الفضفضة مع هذا النوع من العلاقات مريحة وسهلة ولا يتبعها أي مخاطر، إذ لا يخاف الُمفضفض أن يفشي الطرف الآخر سره أو يعيّره بشيء مما قاله، فلا رابط يجمع بينهما، وذلك يعطي شعوراً بالأمان لدى الطرفين.

الخصوصية في وسائل التواصل الاجتماعي

الخصوصية في وسائل التواصل الاجتماعي معقدة وليس حديثنا عن “سياسة الخصوصية “فيها، فالبعض صار يعتبرها منصات لإخراج كل ما في جعبته من سفه وغباء، أو مشاكل وآلام، أو ينشر عن حياته وعائلته، أو عن أي شيء يخطر في باله سواء كان صادقاً فيه أو كاذباً، فليس ثمة قيود أو حدود لما يستطيع المرء فعله فيها، وكل ذلك يتم تحت مظلة اسم مستعار، لذلك أصبح الظهور بالاسم والصورة الحقيقيين في وسائل التواصل الاجتماعي  أدعى للثقة عند الناس.

والخلاصة: أن الموازنة في الكلام الذي يقال والكلام الذي لا يقال مع مختلف الناس وتفاوت مراتبهم مطلوب، وتحقيق ذلك يحتاج إلى تدريب وإعمال للعقل، ولا ننس أن من طبيعة الإنسان حب مشاركة الأفراح والأحزان، ولكن لكل حال مقال، ولكل حدثٍ أوان.

يقول عليه الصلاة والسلام: “استعينوا على نجاحِ حوائِجِكم بالكتمانِ فإنَّ كلَّ ذي نعمةٍ محسودٌ”. حديث ضعيف. تخيّر جيداً من من تشاركه حوائجك لتدرأ بنفسك من براثن الحسّاد والحقّاد.

وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بشكر النعمة بالقول كما يشكرها بالعمل، فقال تعالى: “وأما بنعمة ربك فحدث”، ونستفيد من ذلك أن التحدث بالنعمة مشروع ومحمود وهو من شكر الله تعالى على نعمه، ولكن كن فطناً واعرف متى تتحدث ومع من!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *